305
والاصطلاء بالنار الاستدفاء. ثم قال تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ يقول: كلما احترقت جلودهم بَدَّلْناهُمْ يعني: جددنا لهم جُلُودًا غَيْرَها لأنهم إذا احترقوا خبت عنهم النار ساعة فبدلوا خلقًا جديدًا، ثم عادت تحرقهم، فهذا دأبهم فيها. وقال مقاتل: تجدد في كل يوم سبع مرات. وقال الحسن: بلغني أنه ينضج كل يوم سبعين ألف مرة. وقال الضحاك: سبعين جلدًا في كل يوم. وقد طعنت الزنادقة في هذا وقالوا: إن الجلد الذي تبدل لم يذنب، فكيف يستحق العقوبة والعذاب؟ وقيل لهم: إن ذلك الجلد هو الجلد الأول، ولكنه إذا أحرق أعيد إلى الحال الأول، كالنفس إذا صارت ترابًا وصارت لا شيء ثم أحياها الله تعالى، فكذلك هاهنا. وقوله تعالى جُلُودًا غَيْرَها على وجه المجاز، كما قال في آية أخرى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [سورة إبراهيم: ٤٨] قال ابن عباس ﵁ يعني يزاد في سعتها، وتسوى جبالها وأوديتها.
ثم قال تعالى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أي لكي يجدوا مس العذاب إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزًا في نقمته حَكِيمًا في أمره، حكم لهم بالنار، ثم بيّن مصير الذين صدقوا به فقال ﷿:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني آمنوا بمحمد ﷺ، وبالقرآن وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني الطاعات التي أمرهم الله تعالى بها سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أي مقيمين فيها أَبَدًا لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ في الخلق والخلق وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا قال الضحاك: يعني ظلال أشجار الجنة، وظلال قصورها. وقال الكلبي: يعني ظِلًّا ظَلِيلًا أي دائما. وقال مقاتل: يعني أكنان القصور ظَلِيلًا يعني لا خلل فيها.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤): الآيات ٥٨ الى ٥٩]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وذلك أن مفتاح الكعبة كان في يد بني شيبة، وكانت السقاية في يد بني هاشم، فلما فتح رسول الله ﷺ مكة دعا عثمان بن طلحة وقال له: هات المفتاح. فخشي عثمان أن يعطيه إلى عمه العباس، فجاء بالمفتاح وقال لرسول الله ﷺ: خذه بأمانة الله: فدخل رسول الله ﷺ البيت، فإذا فيه تمثال إبراهيم عليه

1 / 311