Baḥr al-ʿUlūm
بحر العلوم
وَآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فكان يوسف ﵇ ملكًا على مصر، وكان سليمان بن داود ﵉ ملكًا، وكانت له ثلاثمائة امرأة حرّة سوى السرية، قال مقاتل هكذا. وقال الكلبي: كانت له سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية، وكان لداود ﵇ مائة امرأة، فلم يكن تمنعهم النبوة عن ذلك. ويقال: إن الفائدة في كثرة تزوجه أنه كانت له قوة أربعين نبيًا، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحًا. ويقال: إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة، لأن لكل امرأة قبيلتين، قبيلة من قبل الأب، وقبيلة من قبل الأم، فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه، فيكونون عونًا له على أعدائه. ويقال: إن كل من كان أتقى كانت شهوته أشد، لأن الذي لا يكون تقيًا إنما ينفرج بالنظر واللمس، ألا ترى إلى ما روي في الخبر «العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاليَدَانِ تَزْنِيَانِ» . فإذا كان في النظر وفي المس نوع من قضاء الشهوة، فلا ينظر التقي ولا يمس، فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه، فيكون أكثر جماعًا. وقال أبو بكر الوراق: كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع، فإنه يصفي القلب، ولهذا كان الأنبياء ﵈ يفعلون ذلك.
قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني من اليهود من آمن به، بالكتاب الذي أنزل على إبراهيم، وآمن بالكتاب الذي أنزل على محمد ﷺ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ يعني أعرض عنه مكذبًا، وهذا قول الكلبي. وقال مقاتل: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني من آل إبراهيم مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بالكتاب الذي جاء به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ لم يؤمن به. وقال الضحاك: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعني اليهود كانوا يحسدون قريشًا لأن النبوة فيهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ يعني إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط. الْكِتابَ يعني التنزيل وَالْحِكْمَةَ يعني السنة وَآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا يعني قريشًا وبني هاشم مُلْكًا عَظِيمًا يعني الخلافة لا تصلح إلا لقريش فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بمحمد ﷺ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أي كفر به. ثم قال تعالى: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا أي وقودًا لمن كفر به. ثم بيّن مصير من كذب به، وموضع من آمن به، فقال تعالى:
[سورة النساء (٤): الآيات ٥٦ الى ٥٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُودًا غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًاّ ظَلِيلًا (٥٧)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا يعني بمحمد ﷺ وبالقرآن سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا أي ندخلهم نارًا في الآخرة. ويقال: صَلِيَ إذا دخل النار لأجل شيء، وأصلاه إذا أدخله للاحتراق.
1 / 310