الأول: قوله تعالى: {إلا وحيا}(1) يعني تعالى أن الله لا يشافه بالملاقات بالكلام، وترى حال التكلم كما ترى الأجسام حال التكلم إذا لم يكن المتكلم منهم من وراء الحجاب، والله سبحانه فلا يرى لأنه ليس بجسم، بل هو تعالى شيء لا يشبه الأشياء، فيكلم تعالى العباد بالوحي وهو الإلهام والرؤيا، وهذان القسمان إلى جميع العباد، والرؤيا منهما لأهل العقول، والإلهام يصح لكل حيوان ولو غير عاقل كامل العقل، قال الله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل......الآية}(2) أي: ألهمها ما يصلحها ويصلح للعباد منها من حفظ الشراب في بيوتها التي ألهمها تعالى صنعتها، وقد جعل تعالى في سائر الحيوان غير العقلاء قيراطا يسيرا من العقل يعرف به المنافع والمضار الصادرة إليها وإلى غيرها في الحال، ورؤيا الأنبياء أحكام شرعية وغيرها، وليس رؤيا غيرهم أحكام شرعية، والوحي ما يلقيه الله تعالى في قلب العبد من معرفة الأدلة وتحصيل الأحكام الشرعية منها عند استعمال العقل في التفكر فيها سواء كانت الأدلة عقلية كالتفكر في المصنوع ليعرف الله تعالى صانعه، أو سمعية كالتفكر في الكتاب والسنة ليعرف الله تعالى الذي خلقهما وأوحاهما إلى خير خلقه من الأنبياء وتعرف العبادات لله التي وضعها الله تعالى فيهما على الجملة والتفصيل.
Page 128