وقد أخرج أحمد ، من حديث عوف بن مألك ، أنه قال: يا طاعون خذنى . فقالوا له : أليس قد سمعت رسول الله يقول : ما عمر المسلم كان خيرا له1 قال: بلى ، ولكنى أخاف ستا: إمارة السفهاء . . الحديث. وهو شاهد لا بأس به للحديث الذى قبله .
فصل وأما الامتناع من الدعاء أصلا ورأسا فقد حصل الجواب عنه. وخاصله أنه غير محظور، إذ ليس فيه محدور ، وقد قال ، . ولكن عافيتك أوسع لى فالمعتمد أنه يختلف بإختلاف الأشخاص ، فمن قوى يقينه وغلب توكله ، فمقامه أفضل المقامات ، فيفوض ويسلم ، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطثه وما أخطاه لم يكن ليصيبه ، وأنه إن عوفى شكر، وإن لم يعاف صبر بل ربما ارتقى /عن ذلك ذرجة فطلب الشهادة كما وقع ذلك لغير واحد من الصحابة والسلف الصالح وعلى ذلك حمل أبو بكر الرازى عمل أبى عبيدة حيث أبي الخروج من الشام ، وكذا معاذ بن جبل سال الحظ الأوفر منه ، وكذا عمر حيث قال: اللهم ارزقنى شهادة فى سبيلك .
ومن لم يصل إلى هذه المرتبة فيسلم ويفوض ويفعل ما تبت
في صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه ، أن النبى أمر الصحابى الذى اشتد مرضه أن يدعو [اللهم أحينى ما كانت الخياة خيرا لى ، وتوفنى ما كانت الوفاة خيرا لى .
فإن امرة خشى على نفسه فتنة فى دينه ، فرجح جانب البلاء على جانب العافية ، ليسلم له دينه ، فهو مثاب على نيته ، كما وقع لعابس وعوف . ومن كان بخلاف ذلك ، فطلب من ربه أن يعافيه من سقم حل به، فهو جائز بشرط أن يستحض أنه لا راد لما قضى الله ، وأن دعاءه بذلك لاحتمال أن يكون الله تعالى قذره سببا لعافيته ، لا لأن الذى قذره الله يندفع بالخيلة . ولا فرق فى هذا بين من يصاب بالحمى أو بالطاعون أو بغيرهما الأسقام .، ويرشد إلى التفصيل الذى ذكرته ، حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير رجساب ، وهم الذين لا يسترقون ولا يكتؤون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» . أخرجاه في الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما مع الأخاديث الواردة بالإذن في الرقى والتداؤى وغير ذلك فليس الدغاء برفع البلاء ممنوعا ولا مصادما للمقدون من حيث هو هو أصلا وأما الاجتماع له ، كما في الاستسقاء ، فيدعة حلئت في الطاعون الكبير سنة تسع وأربعين وسبع منائة بدمشق . فقرات فى
جزء المنبجى ، بعد إنكاره على من جمع الناس في موضع فصاروا يدعون ويصرخون صراخا عاليا ، وذلك في سنة أربع وستين وسبع مائة ، لما وقع الطاعون / بدمشق . فذكر أن ذلك حدث سنة تسع وأربعين. وخرج الناس إلى الصحراء ومعظم أثابر البلد ، فدعوا واستغائوا ، فعظم الطاعون بعد ذلك وكثر ، وكان قبل دعائهم أخف .
قلت . ووقع هذا فى زماننا حين وقع أول الطاعون بالقاهرة ، في السابع والعشرين من شهر ربيع الأخر سنة ثلاث وثلاثين وثمان مائة . فكان عدد من يموت بها دون الأربعين . فخرجوا إلى الصحراء ، في الرابع من جمادى الأولى ، بعد أن تودى فيهم بصيام ثلاثة أيام ، كما في الاستسفاء ، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة ثم رجعوا فما انسلخ الشهر حتى صار عدد من يموت فى كل يوم بالقاهرة فوق الألف، ثم تزايد.
ووقع الاستفتاء عن ذلك ، فأفتى بعض الناس بمشروعية ذلك ، واستند فيه إلى العمومات الواردة في الدعاء . واستند أخر إلى أنه وقع فيى زمن الملك المؤيد وأجدى ذلك ، وحضره جمع من العلماء فما أنكرو .
وأفتى جماعة من العلماء بأن ترك ذلك أولى ، لما يخشى من الفتنة به، إثبائا ونفيا، لأنه إن أجدى لم يأمن خطر الدعوى ، وإن لم يجد لم يأمن سوء الظن بالعلماء والصلحاء والدعاء .
ونحوت هذا النحوفي جوابى ، وأضفت إلى ذلك : أنه لو كان مشروعا ، ما خفى على السلف ثم على فقهاء الأمصار وأثباعهم ، فى الأعصار الماضية . فلم يبلغنا في ذلك خبر ولا أثر عن المحدثين ، ولا فرع مسطور عن أحد من الفقهاء ، والفاظ الدعاء وصفات الداعى ، لها خواص وأسرار ، يختص بها كل حادث بما يليق به. والمغتمد في ذلك الاتباع ولا مدخل للقياس في ذلك ، ومثال ذلك أن ما ورد فى التخويف بالكسوفين، له هيئة تغاير ما ورد فى التخويف بالجذب ، وما ورد فى النازلة كالفحط والوباء - على رأى من رأى / القنوت في ذلك - يغاير ما ورد فى الكسوف والاستسقاء فالذى يأتى بهذا لهدا، وبهدا لهدا، يلتحق بمن أحدث في أمر الدين ما ليس منه ، فيرد عليه . وقد نص الشافعى رحمه الله ، على أنه لا قنوت في الاستسقاء ، وهو يؤيد ما ذكرته ، والله أعلم وهذا من الأبباب الحاملة لى على تبييض هذا الكتاب ، بعد ان كنت جمعت منه أكثر الأحاديث وبعض الكلام عليها ، في سنة تسع عشرة وثمان ماثة ، ووكنت امتنعث من الخروج في هذه المرة الأخيرة ، ولا خضرت صحبة الملك المؤيد في تلك المرة ، مع اختصاصى . به ، لهذا المعنى الذى أشرت إليه . وقد وقع ما تخيلته من الأمرين معا في المرة الأولى ، وفى المرة الثانية ، وقبل ما قيل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
Unknown page