واستمرت تقول ضاحكة: إنك تحب الريف يا فؤاد وهذا مجلس لا شك يعجبك.
وجلست على مقعد ونظرت إليه كأنها تدعوه إلى الجلوس، وفاح في الهواء عطر خفيف من أزهار العريش يمتزج بالعطر الذي يفوح من علية، فكان لذلك شذى عجيب لا يشبه في شيء ما عرف فؤاد من أنواع العطور! أرج خفيف ولكنه قوي شديد أحسه ينفذ إلى أعماقه.
وجلس إلى جانبها يقول: ما أبدعها من لوحة!
فقالت علية مرحة: لقد عرفت أن هذا المجلس يعجبك.
فأجاب مغتبطا: إنها قطعة من فن يلهم بالسلام يا علية.
ورنت كلماتها في قلبه إذ قالت: «لقد عرفت أن ذلك المجلس يعجبك» أكانت تذكره وهي ترسم هذا العريش؟!
ونظر إليها حائرا يحس أن الأقوال تزدحم في خاطره ولا تنطلق على لسانه، أهذه علية التي كانت منصرفة عنه منذ ساعة وتقبل بحديثها على ذلك الفتى الآخر تناجيه وتبتسم له؟ أليس إقبالها عليه كأنه اعتذار إليه وتكذيب لظنونه ووساوسه؟ فما الذي يمنعه من أن يأخذ بيدها بين كفيه فيرفعها إلى شفتيه يقبلها ثم يتدفق لها بما في نفسه فيكشف لها عن الحب الذي يجيش في قلبه قويا صادقا صافيا ؟ أيمضي في صمته فلا يكشف لها عن حقيقته ويدع ذلك الفتى الوسيم المعجب بنفسه يتودد إليها ويغلبه على فؤادها؟ ولكنه لم ينطق، وكلما هم بأن يقول كلمة تعثر بها خاطره قبل أن يفوه بها فترتد الكلمات كليلة إلى صمتها، ومضى حين عليهما في صمت ثقيل فقالت علية: تعال يا فؤاد فانظر إلى الحديقة من ذلك الركن الآخر.
ورآها تهم قائمة وأحس لمس ثوبها الحريري، وفاح في شمه عطرها العجيب، فقام صامتا يتبعها حتى وقفت عند الركن المقابل وأشارت بيدها نحو البدر المطل من بين أغصان مجموعة ملتفة من الشجر، ولمعت أناملها الملونة وهي تشير كأنما هي زنبقة بديعة وقالت: سأتخذ هنا مجلسا آخر يستقبل البدر إذا طلع هكذا.
فقال فؤاد: إن الأحلام تحيط بكل المكان يا علية!
وهم أن يصيح قائلا: تعالي نعد إلى مجلسنا الأول فنتحدث فيه قليلا، ومضت عليه لحظات طويلة وهو يدير الأحاديث في ضميره، ولكنه كان كلما حاول النطق لم يستطع إليه سبيلا، كانت الكلمات المتدفقة تقف عند لسانه كأنها ترتد عند سد.
Unknown page