90

Atyaf Min Hayat May

أطياف من حياة مي

Genres

وقد دامت العلاقة القلبية بينهما في أدب رفيع، ومتاع روحي جميل، تقويها الرسائل العاطفية التي يدبجها كل منهما بأبلغ العبارات، وأجمل معاني المودة والصداقة والحب، حتى صارت تلك العلاقة الروحية قصة شائعة بين أديبة نابغة وأديب نابغ، بين فنانة مرهفة الحس وفنان سامي الشعور والوجدان.

ولقد بلغ الحب بالآنسة «مي» أن صارحته به، وكاشفته بأنه محبوبها الوحيد في رسائلها المتوالية، فمن ذلك ما كتبته إليه في 15 يناير سنة 1924 بعد صفحات ضمنتها الكثير من عواطفها. قالت: «جبران، كتبت إليك كل هذه الصفحات ضاحكة لأتحامى قولي إنك محبوبي، لأتحامى كلمة «الحب». إن الذين لا يتاجرون بمظاهر الحب، ودعواه في السهرات والمراقص والاجتماعات ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميتية رهيبة قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألاء السطحي؛ لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لأنفسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل قلوبهم عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة، يفضلون أي غربة وأي شقاء، وهل من شقاء وغربة في غير وحدة القلب؟

ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به؟!

ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيرا، فأخاف ألا يأتيني بكل ما أنتظر!

أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير، ولكن القليل من الحب لا يرضيني، الجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير.»

ثم ترجع «مي» إلى نفسها كفتاة شرقية تعودت الحياء والانطواء والخوف من التصريح بعواطفها، وخضعت لحكم العرف الشرقي بأن مثلها لا يسمح لها بأن تصرح بالحب، أو تلفظ بكلمة تعبر فيها لمن تحب عما تكنه له من حب وهيام؛ لذلك أسرعت فاعتبرت هذا التصريح بحبها لجبران جسارة، فقالت في هذه الرسالة: «كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟! وكيف أفرط فيه؟ لا أدري، الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به؛ لأنك لو كنت الآن حاضرا بالجسد لهربت أنا خجلا بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمنا طويلا، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى، حتى الكتابة ألوم نفسي عليها أحيانا؛ لأني بها حرة كل هذه الحرية!

أتذكر قول القدماء من الشرقيين إنه خير للبنت ألا تقرأ ولا تكتب! إن القديس توما يظهر هنا، وليس ما أبدي هنا أثر الوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة، ما هو؟

قل لي أنت ما هو؟ وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو على هدى؛ فأنا أثق بك، وأصدق بالبداهة كل ما تقوله!

وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة، فإن قلبي يسير إليك، وخير ما في نفسي يظل حائما حواليك يحرسك ويحنو عليك!

غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة والأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة، نجمة واحدة هي الزهرة إلهة الحب.

Unknown page