أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟!
ربما وجد فيها من هي مثلي لها واحد «جبران» حلو بعيد بعيد، هو القريب القريب، تكتب إليه الآن، والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام ، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة، قبل أن ترى الذي تحبه، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانبا، لتحتمي من الوحشة في اسم واحد «جبران».»
إني عطشى
وأصدر جبران كتاب «النبي»، وقد قدم فيه نفسه، وقدم فيه صورة الإنسان الكامل، وصورة المعلم المجرب العميق، وضمنه أهم ما وصل إليه من تجارب، وما عرفه من دروس الحياة، وما تأثر به من آلام، ولقد شغل جبران في ذلك الحين بهذا الكتاب وبأقوال الكتاب والمفكرين الغربيين والشرقيين فيه عن مراسلة «مي» بضعة أشهر، فأرسلت إليه رسالة في 20 نوفمبر سنة 1934 تقول فيها: «إني عطشى لرؤية خط يده الجميل، وللمس قرطاسه، واستماع أخباره، وبودي أن أسوق إليه كلمات الخصومة والملام، فلا أجد إلا كلمات الشكر والعطف والاشتياق!
إن نور الشمس اليوم يتألق ويضحك كأبهى نور عرفته الخليقة، ترى ما هذا الذي جعل مصطفى (بطل كتاب النبي) ينسى صديقته الأفريقية «مي» كل هذا النسيان؟
اكتب إلي، لا تحرمني حنانك.»
في عيد الميلاد
وفي 20 ديسمبر سنة 1924 كتبت إليه رسالة بمناسبة قرب عيد الميلاد، وهي رسالة حارة تشتاق فيها إلى لقائه، وتود أن تراه ولو في الخيال، أو بالروح عن كثب لتحيا معه تلك الحياة التي تهفو نفسها إليها، أو تلقاه بالحس والمدركات. ثم تعود إلى ما كانت قبل هذا الموسم، في بيتها بالقاهرة بعد أن جلست إليه، وفرغ لها عن شواغله وملاهيه، وتجرد لها وحدها عن كل شيء وعن كل أحد، فقالت في هذه الرسالة: «سأذهب إليك مرارا عديدة خلال هذه المواسم، وأمكث في حماك طالبة الاغتباط بحضورك!
أتعد - يا جبران - أن تتفرغ من شواغلك وملاهيك، ولو دقائق، لاستقبالي؟ وأن تكرس لي وحدي لحظات تتجرد فيها من كل أحد وكل شيء؟
سأذكرك خصوصا يوم ميلادك، وأرعاك رعاية أثيرية طول النهار؛ فأحيا معك الحياة التي ترضيني في أنقى ما يفد علي من الخواطر، وأبهج ما يتناوله حسي من المشاهد والمدركات، وأنبل ما يتنازعني من الميول، وفي أحر وأبسط ما أتلوه من الصلوات، وفي الصباح سألقي عليك أولى التحيات، وأطلب منك أولى ابتساماتك، أتعطيني؟!»
Unknown page