كان مركز السوفيت صغيرا لكنه نظيف، وكان الاجتماع معقودا ساعة وصولي، فقدمت نفسي للأعضاء وأبرزت وثيقة انتدابي «ممثلا رسميا ينوب عن القسم السياسي» و«اللجنة الإقليمية»، وألحفت في أن يواصل المجتمعون عملهم، وكان رئيس الاجتماع - فيما علمت - يدعى «بلوسوف» ولم يكن خافيا ما كان يستولي عليه من رعب إزاء أمين الحزب الرفيق «كوبزار»، كذلك كان بين الحاضرين مدير محطة الجرارات الآلية واسمه «كاراس».
قال «كوبزار»: «أيها الرفيق كرافتشنكو، أنت ها هنا الآن صاحب الأمر، فتول رياسة هذا الاجتماع.» - «لا، لا، امضوا فيما أنتم ماضون فيه، وإذا سمحتم فسأجلس منصتا، ولن يكون منذ الآن - أيها الرفاق - «نحن» و«أنتم» فلا بد لنا من تعاون، فأنتم أدرى مني بمشكلات هذا الإقليم، وستكونون في كل شيء عمادي، لكني في الوقت نفسه مسئول عن الأمر، وسيكون لي القول الفصل، سأعقد أول اجتماع لي غدا، وأحب أن تحضروا جميعا مزودين بما يلزم من حقائق، وأريد من كل رئيس لمزرعة جماعية - بوجه خاص - أن يأتيني بخطة عمله، وإلى أن يحين الغد، امضوا فيما أنتم مشتغلون به الآن كائنا ما كان.»
استأنف الأعضاء اجتماعهم، وكانت الكلمة لرؤساء المزارع الجماعية واحدا بعد واحد، فأكدوا جميعا أن مزارعيهم لن يقووا على جمع الحصاد إذا لم يجدوا ما يقتاتون به من طعام.
قال أحد هؤلاء الرؤساء: «إن من أشرف عليهم يتضورون جوعا، إنك لتراهم طرحى في منازلهم من هزال، فليس لنا أن نعد هؤلاء من الأيدي العاملة، وسيزداد هؤلاء العاجزون عددا، وسيمضي الموت بعدد قبل أن يبدأ الحصاد، فماذا نحن صانعون؟»
أجاب «بلوسوف» و«كوبزار» إجابات مهمة وأشارا إلى أوامر الحزب، فأدركت أنهما مهوشان يسيران على ضلال، وأنهما في أعماقهما لا يهمهما من الأمر كثير أو قليل، فقلت لنفسي: «الظاهر أني سأجعل المزارعين أنفسهم عمادي، فهم أرسخ عمادا من هؤلاء الموظفين.» فقد تبين لي في وضوح أن السوفيت وما للحزب من أداة تنفيذية قد تعودوا المجاعة حتى عميت أبصارهم، وأنه لا أمل في جمع الحصاد إذا لم أنفض عن هؤلاء ما خيم عليهم من عدم اكتراث.
قال لي «بلوسوف» عندما ختم الاجتماع: «تعال فنم في منزلي، فلا بد أن قد أنهكك السفر، وأظنني قادرا على إمدادك بما يرد لك النشاط.»
ثم قال أحد رؤساء المزارع الجماعية: «يسرني أن تصحبني إلى داري، اسمي «شاداي» وأسرتي صغيرة العدد، ونستطيع أن نخلي لك غرفة.»
فقررت على الفور أن أقبل دعوة «شاداي»؛ لأنني أحسست أنني كلما ازددت قربا من رجال المزارع الجماعية، كنت أقرب إلى الصواب، فصافحت الحاضرين جميعا، وصحبت «شاداي»، وهو رجل متوسط العمر فيه بساطة وذكاء، كان حليقا وسيم المحيا، ورافقنا رئيس آخر من رؤساء تلك المزارع هو «دمشنكو».
وصلنا الدار فابتسمت قائلا: «لنقصد أولا إلى حظيرة الجياد أيها الصديقان، فقد علمني جدي في «اسكندروفسك» ألا آوي إلى مخدعي قبل أن أستيقن أولا أن الخيل لم تهمل.» - «إذن فأنت سليل أسرة مزارعة؟» - «لست على وجه الدقة كذلك، أيها الرفيق «دمشنكو» لكني أطلت المقام في المزارع.»
واستطعت أن أرى على ضوء مشكاة أن الجياد في مرابطها، لكن لم يكن في مذاودها دريس، ولم تكن حظيرتها على ما ينبغي لها من نظافة.
Unknown page