325

Al-Tawḍīḥ al-Rashīd fī sharḥ al-tawḥīd

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

الشَّرْحُ
- هَذَا البَابُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى بِبَابِ (النَّهْي عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى غَيْرِ شَرْعِ اللهِ تَعَالَى).
- قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوْتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيْدًا، وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُوْلِ رَأَيْتَ المُنَافِقِيْنَ يَصُدُّوْنَ عَنْكَ صُدُوْدًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِمْ ثُمَّ جَاءُوْكَ يَحْلِفُوْنَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيْقًا، أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوْبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيْغًا، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُوْلٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوْكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُوْلُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيْمًا، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُوْنَ حَتَّى يُحَكِّمُوْكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا﴾ (النِّسَاء:٦٥).
- وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوْكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ أَنْ يُصِيْبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُوْنَ، أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُوْنَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُوْنَ﴾ (المَائِدَة:٥٠).
- مُنَاسَبَةُ البَابِ لِكِتَابِ التَّوْحِيْدِ أَنَّ تَوْحِيْدَ العَبْدِ لَا يَكْمُلُ الكَمَالَ الوَاجِبَ حَتَّى يُحَكِّمَ شَرْعَ اللهِ تَعَالَى فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَإِنَّ الحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فَرْضٌ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، وَإِنَّ تَرْكَ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ؛ وَتَحْكِيْمَ غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي شُؤُوْنِ المُتَخَاصِمِيْنَ؛ وَتَنْزِيَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ شِرْكٌ أَكْبَرٌ وَكُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ مِلَّةِ الإِسْلَامِ.
- الحُكْمُ للهِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِيْ خَلَقَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ (الأَعْرَاف:٥٤)، فَالأَمْرُ لَهُ وَحْدَهُ، كَمَا أَنَّهُ هُوَ الخَالِقُ وَحْدَهُ.
وَإِنَّ تَرْكَ التَّحَاكُمِ إِلَى شَرْعِهِ تَعَالَى رَغْبَةً عَنْهُ مُنَافٍ لِأَصلِ التَّوْحِيْدِ، لِأَنَّه فَقَدَ بَعْضَ شُرُوْطِ شَهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ أَلَا وَهِيَ المَحَبَّةُ وَالانْقِيَادُ وَالقَبُوْلُ.
وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ التَّحَاكُمَ إِلَى شَرْعِهِ تَعَالَى جَهَالَةً مِنْهُ وَسَفَهًا وَإِيثَارًا لِهَوَى النَّفْسِ وَطَاعَةً لِلشَّيْطَانِ - دُوْنَ جُحُوْدٍ لِذَلِكَ -؛ معَ الاعْتِرَافِ بَالخَطَأِ وَالتَّقْصِيْرِ فِي جَنَابِهِ تَعَالَى، وَمَعَ الإِقْرَارِ بِصِحَّةِ التَّنْزِيْلِ وَصَلَاحِهِ لِكُلِّ عَصْرٍ؛ فَهُوَ تَارِكٌ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجبِ - الَّذِيْ يَأْثَمُ تَارِكُهُ -، وَهُوَ تَحْتَ المَشِيْئَةِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي البَابِ المَاضِي وَفِي بَابِ (تَفْسِيْرِ التَّوْحِيْدِ) تَفْصِيْلُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ. وَالحَمْدُ للهِ. (١)

(١) قَالَ فِي فَتْحِ المَجِيْدِ (ص٣٩٧): (فَإِنْ كَانَ الَّذِيْ تُحِبُّهُ وَتَمِيْلُ إِلَيْهِ وَتَعْمَلُ بِهِ تَابِعًا لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى مَا يُخَالِفُهُ - فَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ الإِيْمَانِ المُطْلَقِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ انْتَفَى عَنْهُ مِنَ الإِيْمَانِ كَمَالُهُ الوَاجِبُ، كَمَا فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي - حِيْنَ يَزْنِي - وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِيْنَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يَعْنِي: أَنَّهُ بِالمَعْصِيَةِ يَنْتَفِي عَنْهُ كَمَالُ الإِيْمَانِ الوَاجِبِ، وَيَنْزِلُ عَنْهُ فِي دَرَجَةِ الإِسْلَامِ وَيَنْقُصُ إِيْمَانُهُ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الإِيْمَانُ إِلَّا بِقَيْدِ المَعْصِيَةِ أَوِ الفُسُوْقِ، فَيُقَالُ: مُؤْمِنٌ عَاصٍ، أَوْ يُقَالُ: مُؤْمِنٌ بِإِيْمَانِهِ؛ فَاسِقٌ بِمَعْصِيَتِهِ، فَيَكُوْنُ مَعَهُ مُطْلَقُ الإِيْمَانِ الَّذِيْ لَا يَصِحَّ إِسْلَامُهُ إِلَّا بِهِ).
قُلْتُ: وَحَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٢٤٧٥)، وَمُسْلِمٌ (٥٧) مَرْفُوْعًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ الفَوْزَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعَانَةُ المُسْتَفِيْدِ) (١٨٧/ ٢): (مَنْ اخْتارَ حُكْمَ الطَّاغُوْتِ عَلَى حُكْمِ اللهِ أَوْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، أَوْ قَالَ: تَحْكِيْمُ الطَّاغُوْتِ جَائِزٌ، أَوْ حَكَمَ بِالشَّرِيْعَةِ فِي بَعْضِ الأُمُوْرِ دُوْنَ بَعْضٍ؛ فَهَذَا كَافِرٌ بِاللهِ - كَالَّذِيْنَ يُحَكِّمُوْنَ الشَّرِيْعَةَ فِي الأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ فَقَط -.
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ لِهَوىً فِي نَفْسِهِ - وَهُوَ يَعْتَرِفُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ حُكْمَ اللهِ هُوَ الحَقُّ، وَحُكْمَ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَيَعْتَرِفُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَمُذْنِبٌ - فَهَذَا يَكْفُرُ كُفْرًا أَصْغَرًا لَا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ).

1 / 325