وتملكه الفرح ولم يدر أنه يقول: حاجة عظيمة خالص! هذا شرف عظيم! - لكنك لا تقيم في «بنها»؟ - أنا؟ إني لم أرها منذ ولدت، أعني لا أعرف شيئا عنها. إنني أقيم في الصعيد، في «قنا»، حيث أعمل مهندسا.
ومضى يقص كل شيء دون أن يدعو داع للحديث. مضى يسرد تاريخ حياته بإسهاب وتفصيل، ولم يدر شيئا عما حوله إلا أنه كلما أجهده الحديث تزود بنظرة من الوجه الباسم وعاد إلى قصته.
وسكت فجأة حين صدم أذنيه صفير القطار. بدا له هذا الصفير كأنه نعيب غراب يؤذن بزوال نعمة. سوف يقف القطار وينزل في هذه المحطة بالذات؛ إنها «طنطا» بلا شك.
لكم تمنى ألا تكون، أو أن تكون «طنطا»، ويكون عمله الثقيل الذي انتدب لأدائه بالإسكندرية.
وأسرع الزمن، وأسرع هو يبحث عن حل؛ إنه لم يقل لها الآن إنه سينزل في «طنطا»، إنه لا يعنى بذلك قدر ما يعنى بأنه يريد أن يقول شيئا آخر؛ يريد أن يسألها: هل سيراها ثانيا أم لا، ومتى سيراها؟ ما اسمها؟ كيف فات عليه كل ذلك فمضى في الحديث عن نفسه دون أن يعرف عنها شيئا؟!
وهدأ القطار من سيره، فتمالك نفسه وقال يبرر سكوته المفاجئ: يظهر اننا وصلنا! - «طنطا»؟ - أجل، فأنا نازل هنا، لكن ...
وسكت برهة يبحث عن الكلمات.
ثم قال بعد تردد: لقد كانت فرصة سعيدة، كنت أتمنى أن تطول، لكن لعل الزمن يسعدني برؤيتك مرة ثانية، ألا تغادرين الإسكندرية أبدا؟
وقالت باسمة: إلى «بنها» لزيارة أبي، ثم أعود، وأحيانا نذهب إلى «القاهرة» في العطلة.
وكرر دون أن يدري: كنت أتمنى أن يطول لقاؤنا، لكن ما حيلتي! لكني واثق أننا سوف نلتقي.
Unknown page