ثم أليس قد أبدع أيضا إذ وصف الجدول الصغير جاريا كما تجري الطفولة في ابتهاج على حين قامت حوله الحور كأنها تحرس جسمه العاري فيقول:
وبدا الصغير الجدول الجاري كما
تجري الطفولة فرحة وحنانا
فغبطته، والحور قامت حوله
كالأهل تحرس جسمه العريانا
ويجب أن ننبه هنا إلى أن أبا شادي يكثر دائما من تقديم الصفة على الموصوف للتنبيه الشعري كما يقول «وبدا الصغير الجدول»، وأنا لم أر ذلك لشاعر من قبله ولعلها إحدى حسناته.
فمما تقدم تستطيع أن تدرك أيها القارئ مدى تفوق شاعرنا في الوصف، وقدرته على أن يريك ذوات موصوفاته كائنات حية تفرح وتغتبط.
أما الغزل فله النصيب الأوفى من الديوان، وما هو إلا صلوات يتقرب بها إلى حبيبته الأولى «زينب ». ولقد اشتدت العلة بشاعرنا يوما، فإذا هو ينشد بين الحب والأمل قصيدا سائغا، يصف فيه حاله، ويعتب على الدهر، ويعد عليه ذنوبه، ويوسع معبودته جدلا طويلا على نومها عنه، وهي تداعبه وتبكي له وتقربه:
مرت كحلم يجاريه الدلال فلا
نمت عليه، ولا أخفت له مثلا
Unknown page