إنها لفرصة سعيدة، تلك التي أتاحها لنا الشاعر المجدد الدكتور زكي أبو شادي بإعادة طبع ديوانه الأول (أنداء الفجر) لنتحدث عنه وعن الباكورة الأولى، وما اشتملت عليه من شعر الطبيعة والتصوير والعاطفة، ومميزات الشخصية في هذا الشعر، وخصائص التجديد فيه.
وإذا أردت أن أتحدث إليك عن الشاعر أبي شادي أو أرسم لك صورة عنه فلا تظن أني سأجمع كل أدوات التهويل والتضخيم مستعينا بها! كلا، فما تصورت أن أتناول الناس بمثل هذا، ولا أحسبه يرضى بذاك، ولكن سأحاول أن أرسم لك صورته دون زيادة أو نقصان، وإن كنت لم أره غير مرة واحدة إلى اليوم. إن أبا شادي رجل اعتيادي لا يروعك صامتا، ولكنه إذا ما تحدث إليك راعك منه أنه يحيا في الحياة، بنفس طفل، وقلب شاعر، وفكر فيلسوف. وهو لا يحاول التحامل على الغير كاتبا أو محدثا، فهو إذا حدثك عن أديب أو شاعر، ذكر لك محاسنه ومساوئه كما يرى هو دون تحيز أو افتئات، وموقفه ممن يسيئون إليه دائما هو موقف الرثاء لهم، أو الإشفاق عليهم، وكم مطاعن وجهت إليه فاستقبلها باسما ثابتا، كما يثبت الطود الأشم للإعصار العتي، وكثيرا ما عادت عليه هذه المطاعن، بعكس ما كان ينشده أصحابها:
كم من مطاعن لي تكال كأنها
شرف يكلل هامتي بالغار!
وهو لا يندم إذا ما جزاه الناس على حسناته بالقحة والتقول، ولكنه يلتمس لهم المعاذير، لعلمه أن هذه هي طبيعة الحياة:
فيم الندامة إن شتمت دناءة
وجزاء ما أسديت من حسنات؟
النحل يعطي الشهد جودا سائغا
ولكم يكافئه الورى بأذاة!
فهذا الشاعر هو في الواقع رمز التسامح والنبل، وكلما أحرجت صدره المحرجات هرب من هذه الدنيا الخسيسة إلى دنيا التفاؤل والخيال، ليتلهى بمناظرها وليغرق في محيطها ما علق به من أوشاب حياتنا الذميمة:
Unknown page