Albert Camus
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Genres
2
إنها تصور تاريخ الكبرياء «الأوروبية»
3
وتعبر عن غرورها وطيشها وتخبطها. والبحث في مواقف هذا التاريخ ومطامحه، في نجاحه وفشله، هو وحده الذي يمكن للتمرد من أن يفتح لنا أفقا جديدا ظل حتى الآن مغلقا دون التفكير المحال، وكان لا بد أن يظل كذلك.
ولكن ما هو التمرد؟ إن كامي يعرفه على النحو التالي: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يرفض أن يكون على ما هو عليه،
4
أو بمعنى آخر هو الكائن الذي لا يرضى أبدا عن كيانه؛ فهو دائم السعي إلى تغييره والعلو عليه؛ فالتمرد بهذا المعنى موجود في كل تجربة إنسانية؛ لأن كل تجربة إنسانية جديرة بهذا الاسم تحتوي على نوع من الرفض للواقع كما هو عليه. ولكن هل يستنفد التمرد طاقته في هذا الرفض؟ وهل يكون المتمرد مجرد إنسان يقول «لا»؟
الحق أن التمرد ينطوي على «اللا» و«النعم» ويضم الموافقة والرفض في وقت واحد؛ فالمتمرد الذي يقول لا يؤكد وجود حد لا يجوز لأحد أن يتخطاه. يقول العبد لسيده والمضطهد لمن يضطهده: «إنك تتجاوز الحد.» أو يقول: «لا تذهب إلى أبعد من هذا.»
5
إنه يقول «لا» لمن يدوس حقوقه بقدميه، ولكنه في الوقت نفسه يقول «نعم» لهذه الحقوق نفسها. ويتجاوز بذلك النفي الخالص إلى توكيد خالص. العبد الذي تسلل شعاع الحرية لأول مرة إلى زنزانة وجوده المعتمة لا يحتج فحسب، بل يؤكد كذلك ويوافق. إنه يكشف لمضطهده عن جزء من نفسه، يريد له أن يحترم ويرفض له أن يهان. وفعل الرفض في حد ذاته قيمة أخلاقية، كما هو أيضا حكم بالوجود؛ فالعبد الذي يستنكر وجود العبيد يعترف في الوقت نفسه ب «سبب أعمق يدعوه إلى الحياة.»
Unknown page