137

Albert Camus

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Genres

هكذا يقوم عالم المونولوج؛ أعني عالم الشمول والمحاكمات والثورات التي أفلتت من كل حد ومقياس في مواجهة عالم الديالوج؛ أعني عالم الوحدة والصداقة والتمرد المعتدل المحدود. لقد بدأ الصراع العظيم غير المتكافئ بين قوى الرعب وبين قوى الديالوج.

81

وهذا الصراع المستمر بين الديالوج والمونولوج، بين الإقناع والإرهاب هو في الوقت نفسه صراع بين الحد وبين الإفلات من كل الحدود، بين التردد الذي يثور ليؤكد حقيقته القائلة: «نحن موجودون»، وبين الثورات التاريخية التي لا تمل من تكرار شعارها: «نحن سوف نوجد في المستقبل».

ليس في استطاعة أحد أن يتكهن بنتيجة هذا الصراع، وليس له أيضا أن يخدع نفسه بالتفاؤل أو بالتشاؤم. ولكن علينا مع ذلك أن نؤمن دائما بأن هناك في العالم كثيرين قد صمموا على مواصلة هذا الصراع. إن برنامج الغد لا يمكن إلا أن يكون هو دولة الديالوج أو الموت الرائع لشهوده وأنصاره.

82

والأمر بعد ليس أمر إعادة العلاقة الديالوجية بين شخص وآخر، أو بين نظامين اجتماعيين أو أيديولوجيتين مختلفتين فحسب، بل هو قبل كل شيء العمل على إزالة «سوء التفاهم» الذي يحطم كل إمكانيات الحوار الأصيل بين الإنسان والعالم. إن الإنسان الذي يعلن تمرده على المحال في صوره الميتافيزيقية والاجتماعية والتاريخية لا يطمح في نهاية الأمر إلى شيء مقدار طموحه لإعادة حقيقة الديالوج إلى قيمتها وأصالتها الأولى. وتمرده لا يكون تمردا بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة حتى يقف في وجه المونولوج (أعني في وجه السيادة المجردة المطلقة للمحال) ليؤيد الديالوج (أعني التراحم الشامل بين الإنسان والإنسان والتفاهم الحقيقي بينه وبين العالم)؛ فإنقاذ الديالوج هو الواجب الأساسي الملقى على عاتقيه في العصر الحديث، وهو في نفس الوقت تأكيد لطبيعة إنسانية مشتركة بين الناس جميعا على اختلاف ميولهم وأجناسهم وعقائدهم، وعود إلى المنبع الأصيل للتمرد الحي الخلاق. (د) عبارة كامي وعبارة ديكارت

يؤكد كامي في مواضع عديدة من كتاباته قرابته الروحية والعقلية لديكارت؛ فليس المحال على مستوى الوجود مكافئا للشك المنهجي عند ديكارت فحسب،

83

وليس تحليل عاطفة المحال في كتابه «أسطورة سيزيف» مجرد تطبيق لهذا الشك المنهجي على هذا «الداء الروحي» الذي يعاني منه العصر،

84

Unknown page