Albert Camus
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Genres
فالعبارة التي أوردناها فيما تقدم والتي تقول «إن المظهر يصنع الوجود»
60
لا يمكن أن تحتفظ في هذا السياق أيضا بصحتها، بل الأولى الآن أن يقضى على المظهر وعلى الرغبة في الظهور من أجل النفاذ إلى الوجود نفسه.
إن إنقاذ الديالوج معناه المحافظة على الإنسان في حالته النقية الأصيلة، والرجوع به إلى منبع التمرد المعتدل المحدود. والدفاع عن الديالوج على المستوى الإنساني معناه الدفاع عن القيمة البديهية الأولى التي وجدناها في صميم التمرد، وتأكيد وجود «نحن نكون» عن طريق التضامن الحر بين أناس يكافحون معا قدرا ظالما محالا؛ ذلك أن هذا «البعض من الوجود»،
61
هذا الشيء الكامن في صميم الإنسان الذي يرى فيه ذاته الحقيقية، وهذا الجزء من وجوده الذي يريد أن يخلق له الاحترام والتقدير، لا يمكن الإبقاء عليه إلا عن طريق التواصل الشامل بين الناس؛ أعني عن طريق الديالوج الحر بين بعضهم والبعض. وكل متمرد يقف في صف الديالوج بين الناس، ويبذل جهده لإحيائه والإبقاء عليه، إنما يقف في الوقت نفسه في صف الحياة، ويلزم نفسه بمكافحة العبودية والرعب والكذب
62
وإذا كان التمرد بطبيعته احتجاجا على الموت، فهو لا يملك إلا أن يصارع هذه الأوبئة الثلاثة التي تنشر الصمت أو حكم المونولج بين الناس، وهو الذي ينتهي بالضرورة إلى القتل والقسوة والعنف.
والأمر الآن مع المونولوج يختلف عنه مع الديالوج؛ فالأول يقوم على حركة فكرية تتطور في خط مستقيم ، وتستخلص النتائج من مقدماتها الضرورية؛ فبينما يحاول الديالوج أن يؤيد عدة حقائق أو حقيقة واحدة من جوانب مختلفة، نجد المونولوج يهدف إلى إثبات حقيقة واحدة عن طريق منهج محدد مرسوم من قبل. حينئذ يسقط الاستقطاب الذي لاحظناه في الحوار الحر بين السؤال والجواب، والموضوع ونقيض الموضوع، والكلام والرد على الكلام. هنا لا يكون ثمة مجال للأخذ والعطاء، والمناقشة الحرة المستأنية بين الأطراف المشتركة في الحديث؛ لأن هناك صوتا واحدا يملي من فوق، ولا يستطيع ولا يريد أن يسمع إلا صداه. ويسقط وجود الطرف الآخر، ولا يعود يعترف بشخصيته الواحدة الكلية المتكاملة، بل يرد إلى محض شيء أو موضوع؛ ذلك لأن نفي الحديث، وهو بحسب ماهيته تخاطب مع الآخرين يجعل «الشيء» يتقدم على «الشخص»، لا بل يحيل الشخص نفسه إلى شيء أو أداة.
63
Unknown page