104

Albert Camus

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Genres

ويبدأ مع نابليون وهيجل، الفيلسوف النابليوني، زمن الفاعلية. الناس من قبلهما اكتشفوا عالم المكان، أما من بعدهما فقد راحوا يكتشفون عالم الزمان والمستقبل.

وهناك نوع آخر من التأكيد المطلق نجده عند هيجل، الذي يمكن أن نعبر عن موقفه بعبارته الآتية: «هذه هي الحقيقة، التي تبدو لنا مع ذلك كأنها هي الخطأ، والتي تكون لهذا السبب نفسه حقيقية لأن من الممكن أن يحدث لها أن تكون هي الخطأ. لست أنا الذي سيقدم البرهان على ذلك، بل التاريخ هو الذي سيقدمه، بعد أن يتم تمامه.»

69

مثل هذا الموقف يؤدي إلى إمكانيتين لا ثالثة لهما؛ فإما رفع كل تأكيد وتأجيله إلى أن يتم تقديم البرهان، أو تأكيد كل ما من شأنه أن يصيب النجاح عبر التاريخ؛ أي جعل الفاعلية هي المعيار الوحيد لكل ما يحدث وما يكون، وفي الحالتين سقوط في العدمية.

إن أصالة هيجل التي لا سبيل إلى النزاع فيها ترجع في رأي كامي إلى تحطيمه لكل متعال (ترانسندنس) عمودي وقضائه على تعالي المبادئ بوجه خاص قضاء تاما.

70

عرف هيجل بحق أن المبادئ الشكلية المطلقة التي نادى بها اليعاقبة في الثورة الفرنسية كانت تنطوي مقدما على الرعب والإرهاب. وكان لا بد للقضاء على هذا التناقض أن يتطلع الإنسان إلى مجتمع واقعي، يستمد حياته من مبدأ غير شكلي، وتتصالح فيه الحرية مع الضرورة. وينسجم الفكر والوجود. وكان أن وضع هيجل مكان العقل العام المجرد الذي دعا إليه سان جوست وروسو فكرة أخرى خالية حقا من الشكلية، ولكنها مبهمة مزدوجة المعنى هي التي سماها ب «العام المتعين».

ومن هنا غمر العقل في تيار الأحداث، ودفع فكر هيجل الحقيقة، والعقل، والعدالة دفعة تاريخية لا تقاوم ، بعد أن ظلت مطلقة ثابتة عند اليعاقبة، ولم تعد هذه القيم علامات يهتدى بها، بل أصبحت أهدافا وغايات لا تتحقق إلا في آخر التاريخ، بعد أن تتوقف طاحونته الرهيبة عن الدوران ، وتبتلع في أحشائها كل التحولات والمتناقضات، ويعود أوديسيوس من مغامراته البعيدة إلى شاطئ الأمان. وأصبح الفكر من يومها طاقة لا تكف عن الحركة، والعقل غزوا وصيرورة لا تنقطع.

ولن نستطيع أن نقدر مدى هذا الفكر الذي يوافق على كل ما من شأنه أن يوصل إلى هذه الأهداف خلال تاريخ خلا من المتعالي (الترانسندنس)، ولن نستطيع أن ندرك أثره وفاعليته حتى نقف وقفة قصيرة عند الحتمية التاريخية في ثورة القرن العشرين، ونعني بها الثورة الماركسية؛ فما يؤكده هيجل عن التاريخ الذي يسير في طريقه إلى الروح المطلق، يؤكده ماركس بصورة معكوسة على هيئة التاريخ الاقتصادي الذي يسير في طريقه المحتوم إلى مجتمع عديم الطبقات، يسميه كامي بالدولة الشاملة أو المملكة العالمية التي يؤله البشر فيها في نهاية المطاف.

71

Unknown page