الماء يحفظ للبدن رطوبته الأصلية، ويرق الغذاء وينفذه ويقمع الحرارة، وهو أوفق للمحمومين وأصحاب الأمزاج الحارة من الشراب. وأجود الماء أخفه وزنا وأسرعه قبولا للسخونة والبرودة، وأعذبه طعما الذي يضرب في طعمه شيء من الحلاوة، والبطيء الاستحالة يدل على غلظه. ومما يدل على خفته سرعة نضوبه وجفاف الأرض إذا سقي منه. فإن الأرض إذا سقيت ماء خفيفا طيبا عطشت أسرع من تعطش الأرض المسقية بالماء الغليظ. وأما المياه التي لها طعم أو روائح مكروهة فإنها رديئة لا تصلح للشرب. وقد تستعمل للتداوي بها. وأما الماء الكدر فإنه يولد السدد في الكبد والحجارة في الكلى. وقد ينفع من شربه أكل الثوم. والماء المالح يطلق البطن أولا ثم أنه يعقلها إذا أدمن واعتيد ويجفف الجسد ويولد فيه الجرب والشقاق. والماء القائم العفن يعظم الطحال ويفسد المزاج ويولد الحميات. والماء المبرد بالثلج والذي له من ذاته مثل هذا البرد، فإنه يفرغ المعدة إن شرب على الريق ويضرها ويبرد الكبد جدا. لذا ينبغي أن يشربه المحرورون على الريق فإنهم ينتفعون به. وأما على الطعام فإنه يقوي المعدة وينهض الشهوة ويجزي قليلة. وأما الماء الذي لا يبلغ من برده أن يستلذ به فإنه ينفخ البطن ولا يبلغ من كسره العطش مبلغا، ويسقط الشهوة ويرخي الجسد. وبالجملة فهو ليس بالصالح. والماء الذي يطبخ حتى يذهب بعضه فإنه أقل نفخا وأسرع انحدارا. وماء المطر رديء لمن تسرع إليه الحميات ولا سيما إذا كان عتيقا. وأما في سائر خلاله فهو صالح. وأما الماء الفاتر فإنه يغثي. والماء الحار فإنه إذا تجرع منه على الريق غسل المعدة من فضول الغذاء المتقدم وربما أطلق البطن غير أن السرف في استعماله يجلو المعدة ويوهنها. وأما الاستحمام فليس الماء الحار جدا أو البارد جدا بصالح له بل المعتدل بين ذلك هو الصالح للأبدان المعتدلة. أما الماء البارد فإنه يقوي الأبدان الخصبة ويجعلها أسخن، ويضر بالمشائخ وأصحاب الأبدان المنهوكة. وأما الحار فيذهب بالأعياء ويسكن الأوجاع ويزيد في نضارة الجسد ويحميه ويدر البول إلا أنه يرخي ويهيج انبعاث الدم ويسقط القوة. أما مياه الحمات: فالقيرية والكبريتية يسخنان العصب. وينفع من أمراضه الباردة إذا دخل فيها. وينفع من الجرب والبثور. غير أنها تحمي الأحشاء حماء شديدا لا سيما الكبد. وأما النوشادرية والرخامية فإنها تطلق البطن إذا شرب منها أو جلس فيها أو حقن بها. وأما الشبية فإنها تنفع من نفث الدم وسيلان الطمث والبواسير، غير أنها تثير الحميات في الأبدان الحارة. والمياه الحارة التي تغلي وتسمط فإنها تحلل القولنج وتفش الرياح الغليظة المشتبكة في الأعضاء والتشنج الرطب. وأما الذي في معادن الحديد فإنه صالح لعظم الطحال. والذي في معدن النحاس صالح لفساد المزاج. وأما المياه الزفتية والنظرونية والكبريتية والتي في معادن الفضة والنحاس والشبه فإنها تورث عسر البول وكثرة الاختلاف لغلظها ولأن هذه الجواهر إنما تتولد في الأرض من شدة البرد فلذلك تذوبها النار. وأجودها ما نبع من معادن الحديد لأنه يأخذ من قوتها وهو صالح لمن عظم طحاله. والذي في معدن النحاس صالح لفساد المزاج.
في قوة الشراب:
Page 129