في حياة الغزالي
تمهيد
نريد أن نتكلم بإيجاز عن حياة الغزالي، لأنه لا يعنينا منها غير جانب واحد: وهو حاله حين وضع مؤلفاته في الأخلاق.
ونحب أن ننبه القارئ إلى أن المصدر الموثوق به إنما هو كتابه «المنقذ من الضلال» فأما الكتب التي ترجتمه فهي في أكثرها موصومة بالمغالاة، لأن الغزالي كما سترى نزل من أهل عصره ومن بعدهم منزلة حملت أكثر مترجميه على تصوره كرجل لا ينبغي لأحد أن يناله بنقد أو تجريح، وإنهم لواهمون.
ولم نستشير التراجم، والمترجم نفسه يتكلم بسذاجة وإخلاص عن تطور حالته العقلية؟ وهي التي تهمنا في هذا الباب.
الفصل الأول
أسرته
ولد الغزالي من أسرة فارسية، لم يهتم بها التاريخ. وإنه ليكفي أن نعرف شيئا عن أبيه وأخيه، لنعرف الروح السائد في أسرته.
أما أبوه فقد نقل السبكي في طبقات الشافعية: «إنه كان فقيرا صالحا لا يأكل إلا من كسب يده في عمل غزل الصوف ويطوف على المتفقهة ويجالسهم، ويتوفر على خدمتهم، ويجد في الإحسان اليهم، والنفقة بما يمنكه عليهم، وإنه كان إذا سمع كلامهم بكى وتضرع، وسأل الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيها، وإنه كان يحضر مجالس الوعظ، فإذا طاب وقته بكى. وسأل الله أن يرزقه ابنا واعظا.» ص102 ج4.
وقد صار ابنا هذا الفقير فقيهين واعظين، فإن شئت قلت إنها دعوة أجيبت، وإن شئت قلت إن حب هذا الرجل للفقه والوعظ نقل إلى ولديه بطريق الوراثة.
Unknown page