15

Akhir Dunya

آخر الدنيا

Genres

وقبل أن يبدأ في كتابة الخطاب الأول قرأ الأصل بإمعان ... وحين قارب على الانتهاء تهلل وجهه وابتسم، ذلك لأنه عثر على الشيء الذي كان يريد العثور عليه، فقرب نهاية الخطاب وجد في الأصل تعبيرا يقول: «وحينئذ نكون أحرارا في التصرف بمقتضى ما تخوله لنا كافة حقوقنا كشركة مساهمة.»

عند كلمة «أحرار» توقف أحمد رشوان. وهو نفسه لا يدري لماذا اختارها بالذات، وجعلها ضالته المنشودة، وصمم على أن يحذف منها الألف، ويكتبها «أحرار» فقط. ربما لأنه وجد موسيقاها هكذا تنسجم أكثر مع بقية الجملة؛ وربما لأسباب أخرى لا يعلمها إلا الله.

مضى يكتب الخطاب بحماس، وهو يحس بنشوة لأنه يكتب شيئا أراده هو، ويملك التصرف فيه . يكتب وهو يرمق في شماتة أذرع المكنة وحروفها، وهي ترتفع وتنخفض في طاعة بكماء عمياء، وهو الذي حين جاءت كلمة «الأحرار» راح يكتبها على مهل، وكأنه يتلذذ بطعم كتابتها، ورمق الألف في الأصل، ثم ازور عنها شامخا بأنفه، وتابع الكتابة وكأنه يعزف على مفاتيح بيانو أو ثقوب ناي.

وكان أسرع خطاب كتبه بعد أن التحق بالشركة، بل وقبل أن يبدأ في غيره، ذهب به إلى مكتب الريس ومعه الأصل والصورة، وفي صدره حماس مستبشر دافق.

والذي حدث أن الريس عبد اللطيف ما كاد يلقي نظرة سريعة على الخطاب، حتى أدركت عينه الخبيرة على الفور أن الأحرار مكتوبة بلا ألف، فنظر إلى أحمد رشوان طويلا، وكأنه يريد تجميده وقال: هي في الأصل «أحرارا» ولا «أحرار» يا حضرة؟ - أحرارا. - يعني بألف؟ - أيوة بألف. - يعني شفتها؟ - شفتها يا ريس. - طيب أمال يا حضرة ما كتبتهاش ليه؟ ... روح يا حضرة اكتبها، وهات الجواب تاني.

فقال أحمد رشوان بكل ثبات واطمئنان: مش حاكتبها يا سيد.

والواقع أنه قال هذا، وكادت تنتابه نوبة خوف. فالدهشة الشديدة المذهلة التي ارتسمت على وجه الريس عبد اللطيف كانت شيئا يخيف؛ إذ كيف يعصي مرءوس رئيسه هكذا في وضح النهار وعيني عينك، وفي مسألة لا تحتمل النقاش؟!

دهش الريس عبد اللطيف وذهل، ولم ينطق في الحال! وخلال ذلك الصمت كان أحمد رشوان في حالة «أخد ورد» مع نفسه، ذلك أنه في قرارة نفسه لم يكن شديد الإيمان بما هو مقدم عليه. إن هي إلا نوبة حماس عنت له إثر خاطر حاد في الليل، وكان لا بد لها أن تثمر عملا ما. وقام أحمد بهذا العمل، وكان على استعداد للتراجع، بل لم يكن يعتقد أن المسألة ممكن أن تأخذ كثيرا من الشد والجذب.

وأخيرا تكلم الريس، وقال: بتقول إيه يا حضرة؟

وفي أدب جم عاد أحمد يقول: أنا رأيي يا أستاذ عبد اللطيف أنها تنكتب من غير ألف تكون أحسن. - رأيك؟!

Unknown page