Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
ويذكر عرابي عن أبيه في مذكراته
1
أنه كان «شيخا جليلا رئيسا على عشيرته عالما ورعا تقيا نقيا موصوفا بالعفة والأمانة»، ونراه عند ذكر نسبه يعدد آباءه حتى يصل إلى السيد صالح البلاسي، فيذكر أنه ينسب إلى بلاس، وهي كما يقول قرية صغيرة ببطائح العراق، كما يذكر أنه أول من هبط مصر من أجداده، وأنه تزوج بالسيدة صفية شقيقة السيد أحمد الرفاعي الصيادي، وما يزال عرابي يرتقي بنسبه إذ يذكر آباءه بعد البلاسي هذا حتى يصله بالإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي الزاهر زين العابدين بن الإمام الحسين (رضي الله عنه).
ويذكر عرابي كذلك فيما يذكره من أنباء والده قوله: «وكان قد أمر والدي بترتيب درس فقه في المسجد الذي جدده للعامة بعد عصر كل يوم وبعد صلاة العشاء فتفقه عامة أهل البلد في دينهم، وصحت عبادتهم، وحسن حالهم بفضل قيام المرحوم والدي على تعليم قومه وأهل بلده.»
وأدخله أبوه مكتب القرية وهو كما يقول من منشآته فيها، وفي هذا المكتب فتحت عينا الصبي على نور العلم، فحفظ شيئا من القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ... •••
ويمكننا أن نتصور حال هذا الصبي في أول عهده بالتعليم قياسا على ما نعرف من حال أمثاله من أبناء المكاتب في كل قرية، وهي حال تكاد أن تكون في القرى جميعا واحدة، فلا فرق بين مكتب ومكتب إلا بقدر ما يكون من فرق بين قرية وقرية.
فهذا صبي في جلباب طويل من القطن أو التيل وفوق رأسه قلنسوة، يخطر بين صبية مثله إلى المكتب وتحت إبطه لوح من الصفيح وبيده محبرة فيها الأقلام الغاب خزانة، أو هي محبرة ذات «مقلمة» كما يقول أبناء المكتب. وهو لا يمتاز عن بقية الصبية في شيء إلا بما عسى أن يكون في قدميه من نعل؛ لأنه ابن شيخ البلد، وأكثرهم حفاة، وما يحضر في جيبه من فطائر يأكلها متى جاع، أو يدفعها إلى «الفقيه» على جوعه، في حين لا يوجد في جيوب لداته إلا الخبز اليابس ...
وفي المكتب يجلس الصبي على الأرض بين أقرانه، ولعل العريف يرفعه درجة فيجلسه على حصير أو على دكة من الخشب ثم يكتب له بعض كلمات في لوحه ليكتب مثلها، أو بعض أرقام الحساب ليقلد رسمها، فلا يضع لوحه إلا حين يتلو العريف على الصبية بعض سور القرآن الصغيرة جملة فجملة، فيرددون ما يتلو في نغمة مثل نغمته، ويردد الصبي كما يفعلون، ولكنه أفصح منهم لسانا وأسرع حفظا، فالفصاحة هي أول ما يظهر من صفات ذلك الصبي وبها يتحدث العريف إلى أبيه!
وتعهده صراف القرية كذلك ميخائيل غطاس فعلمه مبادئ الحساب، وكان تعلم الحساب يحدث عادة على يد هؤلاء الصيارفة، وبخاصة لأبناء المشايخ الذين يتصل بهم هؤلاء ويحرصون على مودتهم ورضائهم. •••
ومات أبوه وهو في الثامنة من عمره، ولكن يتمه لم يحل بينه وبين أن ينال قسطا من التعليم في الأزهر، فقد أرسله أخوه الأكبر محمد عرابي إلى هناك عسى أن يكون عالما من علمائه، ولكن الصبي لم يلبث بالأزهر إلا أربع سنوات تعلم فيها على طريقة الأزهر يومئذ شيئا من الفقه والتفسير والنحو، وحفظ الصبي القرآن بالضرورة كما يفعل من يلتحقون بهذا الجامع العتيد.
Unknown page