184

Aḥkām al-Qurʾān

أحكام القرآن

Editor

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ على وجه التخيير ويقتصر ﷺ بِالْبَيَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ نَفْيِ التَّخْيِيرِ وَمَتَى ثَبَتَ فِيهِ تَخْيِيرٌ بَعْدَهُ كَانَ نَسْخًا لَهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ الْآخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَلَا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ ﷺ قِيلَ لَهُ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ سَيِّئَ الْحِفْظِ كَثِيرَ الْخَطَإِ وَمَعَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ طَاوُسٌ رَوَاهُ مرة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَمَرَّةً أَفْتَى بِهِ وَأَخْبَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ فَلَيْسَ إذًا فِي ذَلِكَ مَا يُوهِنُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى [فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ] فَقَالَ قَائِلُونَ الْعَفْوُ مَا سَهُلَ وَمَا تَيَسَّرَ قال الله تعالى [خُذِ الْعَفْوَ] يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا سَهُلَ مِنْ الْأَخْلَاقِ
وقال النَّبِيِّ ﷺ (أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ)
يَعْنِي تَيْسِيرَ اللَّهِ وَتَسْهِيلَهُ عَلَى عِبَادِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى [فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ] يَعْنِي الْوَلِيَّ إذَا أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُؤَدِّ الْقَاتِلُ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ فندبه تَعَالَى إلَى أَخْذِ الْمَالِ إذَا سَهُلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ مِنْهُ وَرَحْمَةٌ كَمَا قَالَ عَقِيبَ ذِكْرِ الْقِصَاصِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ [فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ] فَنَدَبَهُ إلَى الْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَلِكَ نَدَبَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى قَبُولِ الدِّيَةِ إذَا بَذَلَهَا الْجَانِي لِأَنَّهُ بَدَأَ بِذِكْرِ عَفْوِ الْجَانِي بِإِعْطَاءِ الدِّيَةِ ثُمَّ أَمَرَ الْوَلِيَّ بِالِاتِّبَاعِ وَأَمَرَ الْجَانِيَ بِالْأَدَاءِ بِالْإِحْسَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَعْنَى فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى - إلَى قَوْلِهِ- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ [فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ] فِيمَا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ [فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ] قَالَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ نَاسِخَةً لِمَا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ حَظْرِ قَبُولِ الدِّيَةِ وَأَبَاحَتْ لِلْوَلِيِّ قَبُولَ الدِّيَةِ إذَا بَذَلَهَا الْقَاتِلُ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ عَلَيْنَا وَرَحْمَةً بِنَا فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مُخَالِفُنَا مِنْ إيجَابِ التَّخْيِيرِ لَمَا قَالَ فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ لأن

1 / 186