عليكم واحتراما لوصولكم ميناء العاصمة، فلم ندق الجرس إلا بضع ضربات حزن؛ إيذانا بحلول الصلاة مساء والقداس صباحا، ولم نحرق القندول والبلان والكاز على سطح الكنيسة، ولم نشعل القناديل، فكانت الضيعة خرساء سوداء، لا دق جرس ولا تنوير، ولا مجال (قول) ولا رقص، ولا زمر، ولا (دبك) حتى القداس كان صغيرا.
اسأل القرية فأنا (واقعي) في أحاديثها، كل هذا فعلناه بلا دعوة، ومن يدعونا ونحن ما زلنا منسيين كما كنا في عهدك، فعسى أن يفيد هذا الدرس، فلا نهمل ولا ننسى غدا.
الكلام بيني وبينكم، الظاهر أن الحكومة ما دعت إلى مأتمكم إلا من (قيدت) أسماؤهم في دفتر (القروض) التي ابتدعتموها، فحققتم أحلام كل قرية ودسكرة كما قال صديقي صاحب البيرق، ولكن أظنه يذكر جيدا أن أحلامنا نحن ظلت أضغاثا، ما أقرضتمونا؛ لأنه لم يتوسط بيننا وبينكم غير (حقنا). خطيئتي عظيمة يا مولاي، ليتني تركت قومي يتوسلون إليك ببطاقات من يمنحون البركة الرسولية والدعاء الأبوي.
لا أدري إذا كان بلغك أن كثيرين لم يلبوا الدعوة هون عليك لا تتعب يا أستاذ، هذا حالنا. نحن مع الواقف، والمولي ما له صاحب. لقد علمناهم درسا عميقا من دروس المروءة والوفاء، فلعلنا لم ننفخ في رماد.
كأنني أراك تحك رأسك وتقول: عين كفاع، عين كفاع تذكر جيدا، تفطن مليا، تذكر كتابي الأخير المسجل في بريد جبيل المذيل بكلمة شخصي، ففيه (مصور) الطريق، وفيه وعد صريح بتخليد اسمك في صدر جبل (القطين) الجبار، كالفاتحين المرقومة أسماؤهم عندنا على صخور وادي حربا.
2
وبعد، فالماضي مضى، عسى أن يكون الحق حبيب الله في (العالم) الذي صرت إليه، وليس في عالم (الآخرة) قرية مهملة مظلومة كعين كفاع ننقل إليها ونعلق بها إلى الأبد. يعد (المجلس السماوي) طريقها من المنافع العامة لتصل إلى قصر مار بطرس وبولس، وتقف على باب كرسي مار يوحنا فم الذهب، ونبقى نحن بلا درب، حتى في الملكوت، إلى دهر الداهرين.
أنا خائف كثيرا من هذا، بحياتك تطمئنني والسلام عليك.
وداع الرئيس حبيب باشا
اليوم سلم شيخ لبنان مقاليد الحكم إلى فتاه، ونعم الأب والابن.
Unknown page