ثم بصوت منخفض: ولكني مسئولة عن انخداعي به. - أود أن أقتله!
فمست ذراعي بحنان، وهمست: انغمس في العمل، فأنت الأمل الباقي. •••
ليلة النار التي أهلكت آخر نبتة خضراء. من الظلام رأيت سرحان الهلالي يهبط السلم مترنحا، شعره منفوش، عيناه مظلمتان، يسوقه جنون أعمى. لماذا هجر الحجرة والمعركة محتدمة؟ خرجت أمي من حجرتها مستطلعة، وكنت أظنها فوق، لاقته أسفل السلم، تهامسا بما لم تبلغه أذناي، دخلت حجرتها فاندفع وراءها، توثبت للاندفاع ولكنني لم أتحرك؛ أهمني أن أعرف الحقيقة أكثر من أن أمنعها. أمي أيضا؟! لعله أغمي علي دقائق. هي النهاية التي ليس وراءها نهاية. تفتت الكون، وضج بسخرية الشياطين. اندفعت إلى الصالة، ومنها إلى الحجرة، وقد غرقت في الظلام، أضأت النور فوجدتها خالية، أطفأت النور، وخرجت إلى الصالة وأضأتها. لبثت واقفا بوعي مشتت، وإذا بوالدي يهبط السلم، حتى يقف أمامي، ويسألني بخشونة: ماذا أيقظك؟
فقلت وأنا لا أدري ماذا أقول: أرق طارئ. - هل رأيت سرحان الهلالي؟ - إذا لم يكن فوق، فقد غادر البيت. - متى؟ - لا أدري. - هل رأته أمك؟ - لا أدري.
رجعت إلى حجرتي، لبثت واقفا في الظلام يشتعل رأسي بأفكار جنونية. لم أشعر بمرور الوقت، حتى انتبهت إلى وقع أقدام الراحلين. لم يبق في الصالة إلا أبي وأمي، ألصقت أذني بثقب الباب لأسمع ما يدور. سمعته يسألها: ماذا حدث من وراء ظهورنا؟
لم تجب، فعاد يسأل: عباس رأى؟
لم تجب أيضا، فقال: هو الذي ألحقك بالعمل ... معروف أنه لم يعتق امرأة واحدة، حتى أم هاني.
لم أسمع لها صوتا، فعاد يقول: لا شيء بلا ثمن، هذا ما يهمني، أما أنت فلا تستحقين الغيرة.
أخيرا جاء صوتها قائلا: إنك أحقر من حشرة!
فقال مقهقها: إلا حشرة واحدة.
Unknown page