عم تتحدث يا عم أحمد، ليت ما كان لم يكن، حتى الثمرة الوحيدة المعزية غائبة. بوجودي في المكان توترت أعصابي، وازددت حزنا. وفي الوقت المناسب دخلنا المسرح، انشرح صدري فجأة بامتلاء المسرح، وقلت: هو النجاح.
لم أسمع تعليقه، سرعان ما رأيت البيت القديم ترفع عنه الستار، تتابعت الأحداث، تجسدت أمام عيني عذابات حياتي، تجسدت بعد أن لم يبق منها إلا رواسب الأنين. وجدتني مرة أخرى في الجحيم، وأدنت نفسي كما لم أدنها من قبل، قلت هنا كان علي أن أهجره، هنا كان يجب أن أرفض، لم أعد كما كنت في ظني الضحية. ولكن ما هذا الطوفان من الجرائم التي لم يدر بها أحد؟ وما هذه الصورة الغريبة التي يصورني فيها؟ أهذا حقا هو رأيه في؟ ما هذا يا بني؟ إنك تجهل أمك أكثر مما يجهلها أبوك، وتظلمها أكثر منه. وهل اعترضت على زواجك من تحية بدافع الأنانية والغيرة؟ أي غيرة وأي أنانية؟ لا ... لا ... إنه الجحيم نفسه، إنك تكاد تجعل من أبيك ضحية لي؛ أبوك لم يكن ضحية لشيء سوى أمه، هذه صورة جدتك لا أمك؛ تراني عاهرة محترفة وقوادة؟ تراني القوادة التي ساقت زوجتك إلى السائح طمعا في نقوده؟ أهو خيال أم هو الجحيم؟ إنك تقتلني يا عباس، لقد جعلت مني شيطان مسرحيتك! والناس يصفقون ... الناس يصفقون!
كنت ميتة تماما وأنا أدعى لحفل البوفيه. سألني الرجل: نشترك أم نذهب؟
يتحداني ويسخر مني. ولكني قلت له بتحد: كيف لا نشترك؟
لكنني في الواقع لم أشترك، انغمست في غيبوبة محترقة، دوى رأسي بأصوات متلاطمة، تماوجت أمام عيني وجوه غريبة تصرخ وتضحك بلا سبب، سينفجر رأسي وتقوم القيامة. لتقم القيامة، لتقم القيامة، لن يدركني حكم عادل إلا بين يدي الله! قتلت وخنت وانتحرت، فمتى أراك؟ هل يتأتى لي أن أراك؟
وصلنا البيت القديم عند الفجر، تهالكت فوق الكنبة في الصالة، على حين راح يشعل المدفأة. جاءني صوته متسائلا: أعجبتك المسرحية؟
فقلت بفتور: أعجبت الجميع! - والموضوع؟ - موضوع قوي! - لم نتظاهر بغير ما في نفوسنا؟ - لا تفكر كطارق رمضان الحاقد. - كل شيء حقيقي أكثر من الحقيقة.
فقلت بغضب: لا علاقة بين دوري في المسرحية وبين الحقيقة.
فضحك ضحكة كريهة، فقلت متخطية عذابي: إنه الوهم! - الجميع كما عرفناهم في الحياة. - الجديد المتخيل أكثر من الواقع بكثير. - لم صورك في تلك الصورة؟ - المؤلف شخص آخر غير ابني. - توهمت كثيرا أنه يحبك ويحترمك! - لا شك في ذلك. - وجهك يشهد بنقيض لسانك. - إني واثقة من نفسي. - حتى طارق! ... يا لك من امرأة فذة!
صرخت: أرحني من أفكارك القذرة. - ذلك الولد الذي زج بنا في السجن! - لم يكن يصور نفسه، كان يصورك أنت. - كم ادعى المثالية!
Unknown page