فقلت مغالبة اليأس في قلبي: عندما يعود سأذهب معه.
وغادرته إلى حجرتي، أغلقت الباب، وأفحمت في البكاء؛ كيف لا تعرف أمك يا عباس؟! •••
يهبط السلم مترنحا، يكاد يقع من الإعياء. يراني، فيقول: كولونيا ... أنا في غاية الإرهاق.
أدخل حجرتي لأجيئه بالكولونيا، فيتبعني. أقول: إليك الكولونيا. - شكرا ... شربت أكثر مما يجوز. - وكان حظك سيئا من أول السهرة.
ينتعش قليلا، ينظر إلي، يقوم إلى الباب فيغلقه. أتحفز للرد، يقول: حليمة ... إنك رائعة! - هلم إلى فوق.
اقترب مني، فتراجعت مقطبة. - أتخلصين لهذا الحيوان؟
أقول بجدية: إني امرأة شريفة وأم.
وثبت إلى الباب ففتحته، تردد ثانية واحدة، ثم غادر الحجرة إلى خارج البيت. •••
ما من أحد منهم إلا راودني عن نفسي فرفضته، عاهرة؟! لقد اغتصبت مرة، عاشرت أباك زمنا قصيرا، ثم ترهبنت، إني راهبة لا عاهرة يا بني! هل زور أبوك لك تلك الصورة الكاذبة؟ إني امرأة محرومة تعيسة الحظ، ليس لي أمل سواك، فكيف تتصورني في تلك الصورة؟! سأحدثك عن كل شيء، ولكن متى ترجع؟! •••
المعربدة يتسللون إلى بيتنا العتيق بالليل، بقلوبهم الآثمة المستهترة، يدنسون الطريق المفضي إلى سيدي الشعراني. قلبي يهبط وأنا أطالع نظراتهم الفاجرة، ويطوف في إشفاق حول حجرة عباس. لكنك جوهرة يا بني، ولا يجوز أن تختنق في وحل الفقر. ها أنا أرحب بهم في مرح مصطنع، وأتقدمهم إلى الحجرة في الدور الأعلى، التي أعدت بقرض لاستقبالهم، وسأعمل لهم ساقية تقدم الطعام والشراب، ولا أدري أين أقف في المنحدر الوعر. - يا حبيبي، لا تنزعج، إنهم أصدقاء أبيك، كل الرجال يفعلون ذلك. - وأنت يا أمي ما شأنك وذلك؟ - إنهم زملائي في المسرح، ولا يليق بي إهمالهم.
Unknown page