وسوف يلاحظ القارئ أنني أدرجت مقالا بقلم الدكتور لويس عوض عن أحد أعمالي المترجمة، وردي عليه، ثم رثائي له، انطلاقا من روح التلمذة الحقة التي ربطت بيني وبين هذا العملاق الشامخ - رحمه الله رحمة واسعة. وأخيرا فلن يعدم القارئ بعض الهزل في ثنايا الجد، وبعض التفاوت في النبرة
TONE
أو النغمة من مقال إلى مقال.
أرجو أن يقبل ذلك من باب التسلية والتسرية. فكتب المقالات تشبه - في أحسن حالاتها - الحدائق التي تضم الحشائش والأعشاب إلى جانب الزهور والفواكه! فليقطف القارئ ما يجده من زهر وثمر، وليضرب صفحا عما يصادفه من عشب وكلأ! فهذا أقصى ما أتمنى.
محمد عناني
القاهرة، 1992م
الأدب العربي بين المحلية والعالمية
معنى العالمية
منذ عدة أعوام رأيت إعلانا عن أحد الأفلام المصرية يتضمن الإشارة إلى ممثلة «عالمية» - وراعني أن تشترك إحدى فنانات العالم الكبار في فيلم مصري ينطق اللغة العربية، وأن يوضع اسمها في ذيل قائمة الممثلين مسبوقا بعبارة «بالاشتراك مع النجمة العالمية» - وجعلت أتأمل الاسم أياما (وقد علق بذاكرتي بعد أن رأيته كثيرا) وقررت أن أسأل عنه أحد الأصدقاء الذين تخصصوا في نقد السينما. ولم أجد عنده إجابة لسؤالي فقصدت صديقا آخر أعرف فيه المعرفة الموسوعية فأنكر هو الآخر، وكثرت تساؤلاتي حتى يئست وكدت أنسى الموضوع تماما، ثم جاء يوم قابلت فيه أحد المشتركين في الفيلم وكان يحضر معي عرضا مسرحيا فسألته فقال لي ببساطة ودون اكتراث: نعم، إنها إسبانية، وقد رحلت! فألححت عليه أن يشرح لي الموضوع فلم يزد على أن قال إنها فعلا ممثلة ولكنها من الطبقة الثالثة أو الرابعة، وسوق السينما في إسبانيا «نائم»!
وفتحت هذه العبارة بابا أمامي كنت أغلقته من سنين، وهو معنى «العالمية» الذي اختلط في الأذهان - كما تبين هذه الحادثة - بمعنى كل أجنبي، وخاصة كل ما هو أوروبي أو أمريكي (بالتحديد)؛ فنحن نتردد في أن نطلق على الأسترالي أو النيوزيلاندي - ولا أريد أن أذكر أحدا من بلدان العالم الثالث (أو البلدان النامية كما يسمونها) - لفظ عالمي؛ إذ تقتصر العالمية في لغتنا ومفهومنا واصطلاحنا على أبناء الدول الكبرى، وخاصة منها الدول الاستعمارية التي حكمت معظم بلدان الأرض في فترة ما من تاريخنا الحديث. أقول بابا كنت أغلقته من سنين لأنني كنت لا أريد أن أصدق ما قاله أستاذنا الدكتور لويس عوض ذات يوم من أن الدول «المسيطرة» تفرض قيمها على غيرها، ومثلما تتفوق عسكريا واقتصاديا تستطيع أن تتفوق - على الأقل من الناحية المادية - في نشر أدبها وفنونها وثقافتها. كنت لا أريد أن أصدق ذلك إما لنزعة براءة لم تفتأ تعاودني وإما لإيمان بقيمة الفن الجميل والأدب الراقي الذي قرأت كثيرا من نماذجه بغير العربية، ولكن الباب انفتح الآن ولم أعد بقادر على إغلاقه؛ فما الذي يجعل الأدب عالميا؟
Unknown page