Kitab Adab al-Tabib
كتاب أدب الطبيب
Genres
وقال جالينوس فى تفسيره لقول ابقراط فى أبيديميا: وما ينظر إليه — يعنى ما ينظر إليه المرضى — إنه ينبغى أن يطيل اللبث عند المريض من عواده، أصدقهم إليه، وأقربهم إلى قلبه. فأما غيرهم، فالتدبير فيهم أحد الأمرين: إما أن لا يدخلوا إليه أصلا، أو أن لا يراهم طويلا. وينبغى للطبيب، إذا دخل إلى المريض من يستثقله، أن يلبث قليلا، ثم يقول: إنه ينبغى للمريض أن يهدأ، ليقوم من عنده. فإن ذلك يحدث فى فكره لذة، وفى حس بصره قد يلتذ برؤية أشياء، دون أشياء، من ألوان، وأشكال، وزهر النبات، وأصناف النبات، والصناعات، والصور، مما لا يلتذ برؤيتها، أو يكرهها غيره. فقد ينبغى للطبيب أن يسأل أهل بيت المريض عن الأشياء التى كان يلتذها، فيأمر بإدخالها عليه إلى البيت الذى فيه المريض، ولا يخبره بما يغمه، من خبر تجارة خسرت، له فيها سبب، ولا يذكر بحضرته ذكر ميت، ولا خبرا رديئا لمريض آخر.
ولا ينبغى للعائد أن يستخبر عن مرضه استخبار متقص، فإن ذلك لا ينفع المريض من العائد، إلا أن يكون طبيبا. ولا ينبغى له أيضا أن يشير عليه بدواء، ولا بغذاء قد كان نفعه، أو سمع بأنه نافع، فإن ذلك ربما حمل المريض لجهله، أو لشدة ما به، أن يستعمله، فيضر به، ويفسد على الطبيب عمله، وربما كان ذلك سببا لهلاك المريض. ولا ينبغى للعائد أن يعارض الطبيب بحضرة المريض، متى لم يكن من أهل العلم، فيوقع له الشك فيما وصفه الطبيب، كالذى رأيته من بعض المشائخ، وذوى النبل عند نفوسهم، وقد حضر عند مريض كنت أدبره، فبدأ يسائل المريض عن حالاته، وحال دوائه، وغذائه، فى أمس يومه الذى كنا فيه. ثم حضرت قارورته، فتكلم، وأنا فى جميع ذلك ساكت، ليحس بسوء أدبه. فما انتبه لذلك، بل وصف دواء. فلما فرغ من صفته، قمت منصرفا. فقال لى المريض: تقوم وما وصفت لى شيئا، ولا سمعت منك يومى هذا كلمة! قلت: صدقت، وكذلك يجب. قال: ولم؟ قلت: أولا: فلان هذا الشيخ قد ناب عنى، وما بقى لى شئ أقوله، والثانية لأنك قد قنعت بذلك، وأصغيت إليه، فلا وجه لكلامى! فأما الشيخ، فإنه خجل، وما عاد إلى مثل ذلك. وكذلك المريض اعتذر، فتأدبا جميعا بذلك، وجميع من كان بالحضرة، ومن سمع أيضا. وإنما أحضرت ذلك هاهنا، لينتبه به، ويتأدب، من لم يكن يعلم ذلك. فلنكتف بما ذكرنا فى هذا الباب.
Page 94