Kitab Adab al-Tabib
كتاب أدب الطبيب
Genres
وفيما ذكرناه من هذه الجمل تنبيه على استيفاء هذا الغرض من كتبه، وحث على الاهتمام به، وقراءة ما قاله جالينوس وغيره فى ذلك. فإن جالينوس قد بين فى كتابه فى القوى الطبيعية، وفى كتابه فى آراء بقراط وفلاطن، وفى كتابه فى أخلاق النفس، وفى مقالته التى بين فيها أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن، أصول كل أفعال النفس، وأخلاقها، وسائر أعراضها، وبين أيضا أن هذه القوى الثلاث التى سماها كثير من القدماء نفوسا، أعنى النفس الناطقة، والنفس الحيوانية، والنفس النباتية، لكل واحدة منها مسكن، ومحل يختص بأفعالها. فمحل النفس الناطقة الدماغ، ومحل النفس الحيوانية القلب، ومحل النفس النباتية، وهى الشهوانية، الكبد. وبغير شك أن بصحة هذه الأعضاء، يصح لهذه النفوس أفعالها وبمرضها تفسد. فإذا كان ذلك كذلك، فقد وجب ما قلناه فيما تقدم، وهو أنه يلزم الطبيب علم حالات هذه الأعضاء، إذا أراد معرفة الأعراض النفسانية.
ولما كان كلامنا فى الأعراض النفسانية الآن، إنما هو لأجل أنها أحد الأمور الطبيعية التى عددناها فيما تقدم، وهى حالات الهواء، والحركة والسكون، والمأكول والمشروب، والاستفراغ والاحتقان، والنوم واليقظة، والأعراض النفسانية، والبلدان والأعمال، وسائر ما تبقى منها مما قدمنا ذكره، وكان ذكرنا لهذه الأمور الطبيعية ضروريا فى حفظ صحة البدن بأسره، وفى صحة عضو عضو من أعضائه، وكنا قد بدأنا على طريق المثال، والتعليم لمحبى صناعة الطب، أن نرى كيف ينتفع الطبيب بهذه 〈الأمور〉 فى حفظ الصحة، أعنى تعلمها، وجعلنا مثالنا لذلك من الدماغ، إذ كان أشرف أعضاء البدن. ووضعنا فى كل باب، مما ذكرناه، من القول فى هذه الأمور الطبيعية جملا، وأصولا، تحث المتعلمين، وتذكر العلماء بما قيل فى كل معنى منها. ولم نتممها بأسرها، لكنا تكلمنا على بعضها، فلذلك يجب أن نأتى على ما تبقى منها، كالذى فعلناه فيما مضى، ليكون القول على تدبير الدماغ الذى جعلناه لنا فى الأعضاء على طريق المثال تاما. ثم ننتقل إلى ذكر تدبير عضو عضو من باقى أعضاء البدن بطريق وجيز، وقول مختصر، لئلا يمل الكلام لطوله. والله المعين بجوده.
Page 58