150

Kitab Adab al-Tabib

كتاب أدب الطبيب

Genres

وأما أصحاب المهن، فأمرهم فى استعمال الحيل لاستخراج محاسنها ظاهر، حتى أن أكثر الناس يعجبون مما يعمله أصحاب الحركات والخيالات، وما يظهره أصحاب السحر من العجائب التى تدهش كثيرا من الناس، لاستتار أسبابها وعللها عنهم ، حتى أن قوما منهم يظنون أن الجن تفعل ذلك، وآخرون يرون أن قوى إلاهية تخدمهم فى ذلك.

فهذه الأشياء وأمثالها لم تتم للناس، إلا بلطيف حيلة للعقل. ألا ترى أن صناعة الطب لم يستخرج 〈أهلها〉 محاسن ما فيها من العلاج والأعمال، إلا بطريق الحيلة، كقدحهم للعين حتى يبصر من قد عمى، وكبزلهم الماء من المستسقين، ومن أصحاب العلل المائية، وكاستخراجهم الأخلاط الرديئة المفسدة، بأدوية معلومة، وبتقدير معلوم، لكى يصيبوا الغرض، ويستخرجوا ذلك الخلط بعينه. ولأن لذلك طرقا وقوانين، قد تفضل الله بها على نوع الإنسان، وضع العلماء بهذه الطرق فيها كتبا، ليعلمها من أراد التعرض لذلك، لئلا يسلك غيرها، فيهلك الناس، كالذى فعله قدماء الأطباء. من ذلك ما وصفه الفاضل جالينوس من كتبه التى رتبها ترتيبا طبيعيا، وعلى مذهب التعليم، فبدأ من أول ما ينبغى أن يتعلمه الطبيب، وسار على نظام، حتى بلغ إلى نهاية ما فيه صناعة الطب، وهو أعوص ما فيها، وألطفه، وأحسنه. فوضع طرق ذلك، وما استخرجه القدماء من الأطباء بتلك الطرق اللطيفة، فوضع جميع ذلك من أربع عشرة مقالة، وسمى ذلك الكتاب حيلة البرء. فإذن بهذه الحيل ينتفع الناس، وهى نتائج العقول، وثمرات الفضائل، التى يستحق أهلها المدح والتشريف.

وأما من سلك طرق الحيل فى الوصول إلى كسب الدراهم، على غير الواجب، وبلوغه لذاته فقط، فما مثله إلا كذئب قد ستر نفسه، ليفترس ما أمكنه افتراسه. وليس الضرر الداخل على الناس من أصحاب هذه الحيل، كالضرر الداخل عليهم من الحيوانات المؤذية، بل أعظم كثيرا، لأن الحيوانات لا تقدر على التقلب من فعل إلى فعل، لكن لكل واحد منها فعلا طبيعيا يخصه، 〈و〉به تكون أذيته. فأما الإنسان الشرير المؤذى الحيول، فإنه يؤذى بطرق مختلفة، ويتقلب فى الأفعال المؤذية، بحسب اتساع حيلته. فلذلك هذه الطائفة على نوع الإنسان أشر من السبع، والذئب، والنمر، والأفعى، والعقرب، وغير هذه من المؤذيات.

Page 158