Abu Shuhada Husayn Ibn Cali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Genres
أما أبناء هاشم فلم يكونوا من طراز أولئك الكهان المشعوذين، ولا كانوا من المحتالين بالكهانة على خداع أنفسهم وخداع المؤمنين والمصدقين؛ بل كانوا يؤمنون بالبيت ورب البيت، وبلغ من إيمانهم بدينهم أن عبد المطلب جد النبي
صلى الله عليه وسلم
أوشك أن يذبح ابنه فدية لرب البيت؛ لأنه نذر «لئن عاش له عشرة بنين لينحرن أحدهم عند الكعبة»، ولم يتحلل من نذره حتى استوثق من كلام العرافة بعد رمي القداح ثلاث مرات. •••
والأخلاق المثالية توائم الرئاسة الدينية التي يدين أصحابها بما يدعون إليه، فإن لم تكن في بني هاشم موروثة من معدن أصيل في الأسرة، فهي أشبه بسمت الرئاسة الدينية والعقيدة المتمكنة والشعائر المتبعة جيلا بعد جيل، وهي أخلق أن تزداد في الأسرة تمكنا بعد ظهور النبوة فيها، وأن يتلقاها بالوراثة والقدوة أسباط النبي وأقرب الناس إليه.
وإنك لتنحدر مع أعقاب الذرية في الطالبيين - أبناء علي والزهراء - مائة سنة ومائتي سنة وأربعمائة سنة، ثم يبرز لك رجل من رجالها فيخيل إليك أن هذا الزمن الطويل لم يبعد قط بين الفرع وأصله في الخصال والعادات، كأنما هو بعد أيام معدودات لا بعد المئات وراء المئات من السنين، ولا تلبث أن تهتف عجبا: إن هذه لصفات علوية لا شك فيها؛ لأنك تسمع الرجل منهم يتكلم ويجيب من يكلمه، وتراه يعمل ويجزي من عمل له، فلا تخطئ في كلامه ولا في عمله تلك الشجاعة والصراحة، ولا ذلك الذكاء والبلاغ المسكت، ولا تلك اللوازم التي اشتهر بها علي وآله وتجمعها في كلمتين اثنتين تدلان عليها أو في دلالة، وهما: «الفروسية والرياضة».
طبع صريح، ولسان فصيح، ومتانة في الأسر يستوي فيها الخلق والخلق، ونخوة لا تبالي ما يفوتها من النفع إذا هي استقامت على سنة المروءة والإباء.
فمن يحيى بن عمر، إلى علي بن أبي طالب، خمسة أو ستة أجيال. ولكن يحيى بن عمر يوصف لك، فإذا هو صورة مصغرة من صور علي بن أبي طالب على نحو من الأنحاء، فمن أوصافه التي وصفه بها الكاتب الأموي أبو الفرج الأصبهاني أنه كان «رجلا فارسا، شجاعا، شديد البدن، مجتمع القلب، بعيدا عن رهق الشباب وما يعاب به مثله».
ومما روي عنه «أنه كان مقيما ببغداد، وكان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله، وربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه؛ فيلوي العمود في عنقه فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه».
ولما ضايقه الأمراء وضنوا عليه بجرايته في بيت المال، كان يجوع ويعرض عليه الطعام فيأباه ويقول: «إن عشنا أكلنا.»
ثم ثار وبلغت أنباء ثورته بغداد، فأقبلت عليهم الجموع المحشودة لقتاله، وأسرع إليه بعض الأعراب فصاح به: «أيها الرجل أنت مخدوع، هذه الخيل قد أقبلت.» فوثب إلى متن فرسه فجال به، وحمل على قائد القوم فضربه ضربة بسيفه على وجهه، فولى منهزما وتبعه أصحابه، فجلس معهم ساعة وهو لا يبالي ما يكون. •••
Unknown page