نجد في بعض كتب الفرق أن الزيدية أخذت فقهها عن مذهب أبي حنيفة، وبالتالي فهي حنفية في الفروع. وأما أصول دينها فقد أخذته عن المعتزلة، في المقابل نجد أن الزيدية تنفي هاتين النسبتين بشدة. وفي تصوري فإن الخلاف بين المثبتين وبين النافين ينطوي على غرض أعمق من مجرد التاريخ لحركة علمية. أظن الأمر يتعلق باستقلالية أئمة أهل البيت وعلماء الزيدية في علومهم. فالمثبت لتلك النسبة يريد أن يقول: إنهم وإن كانوا اليوم مدرسة مستقلة، إلا أن جذورهم لا تصل بحال من الأحوال إلى أبعد من أبي حنيفة في الفقه، وواصل بن عطاء في الأصول. والنافي لهما يريد أن يتجاوز تلك العقبة ويصل بآراء الزيدية إلى الإمام علي، فالنبي عليهما الصلاة والسلام. وموضوع الأصالة التاريخية من القضايا التي كانت تهم كل فرقة من الفرق الإسلامية. فكل فرقة تريد أن توصل آراءها بالنبي وصحابته، وباعتبار أن شرعية ما يقولونه يرتكز على ذلك. إضافة إلى ذلك، فإن نفي أصالة فرقة من الفرق يعد من الحجج عليها باعتبارها فرقة مبتدعة قالت بأمر لم يعرف على عهد النبي، ولا عهد صحابته. وأرى أن مثل هذا الخلاف لا معنى له. فالصواب صواب باعتبار ذاته، لا باعتبار أصله. وإذا غاب عنا ما يدل على أصالة رأي لدعم قول من الأقوال، فإن حجج العقول والنصوص لا زالت بين أيدينا وهي كافية وافية شافية. على ضوء هذا، فإنني سأعلق على هذا الكلام من الناحية التاريخية فقط. فآراء الزيدية لا تقيم انطلاقا من أصلها، وإنما انطلاقا من مرتكزاتها، ثم من تفعيلها في الحياة. من الناحية الفقهية، فمعلوم أن الزيدية تمنع على المجتهد التقليد في الفقه، وأنها لذلك لا يمكن اعتبارها تتبع مذهب فقهي لعلم من أعلام أهل البيت، فكيف يكون ذلك بالنسبة لعلم من غيرهم؟ وأما مقلدو الزيدية فلا يقلدون أبا حنيفة رحمه الله، كما لا يعتمدون أيا من مصادر الفقه الحنفي في تقليدهم. وأما قدماء أهل البيت"، فلم يعلم منهم من كان حنفيا. نعم، قرأ كثير من علماء أهل البيت في العراق في القرن الرابع الفقه الحنفي، ولكنها قراءة اجتهاد ونظر وليست قراءة تقليد. وقد يكون أصل هذا القول، إذا كان لا بد له من أصل، هو المشابهة بين فقه الإمام الهادي
، وفقه الحنفية. ولكن حتى هذا الأمر لا يكفي. فالمشابهة بين المسائل وحدها لا تعني أنها مشابهة تقليد. كما إن هذه المشابهة قد تعود لاعتبارات أخرى غير التقليد نحو وحدة المنشأ. ففقه العراق الذي عليه الحنفية متأثر بفقه الإمام علي بن أبي طالب، ومثله في التأثر فقه أهل البيت بما فيهم الإمام الهادي
إضافة إلى كل ذلك فإن طبيعة الاختلافات الفقهية بين المذهبين الموجودة فعلا تدل على خطأ مثل هذا القول. وأما العلاقة بين الزيدية والمعتزلة، فهي أعمق، ولكنها لا تبلغ حد أن يكونا مدرسة واحدة، أو أن يكون أهل البيت أسسوا مدرستهم متأثرين بها. إن كل من يثبت تلك النسبة قد اعتمد على مجموعة من الأمور وهي:
1. التقدير الكبير الذي يكنه أعلام أهل البيت والزيدية لمشائخ المعتزلة، التقدير الذي أوصل أحدهم وهو الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى إلى أن يضع كتابا في الطبقات سماه طبقات المعتزلة، ذاكرا ضمن تلك الطبقات أعلام أهل البيت والزيدية، فنسب الزيدية إلى المعتزلة وليس العكس. وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على تقدير أهل العلم بعضهم لبعض. فمما لا شك فيه أن مشائخ المعتزلة بلغوا في العلم غاية لا يستهين بها إلا جاهل، أو قليل إنصاف. كما أن أغلبهم كان غاية في الورع والخشية من الله تعالى. ولكن لا يدل على أنهما مدرسة واحدة.
পৃষ্ঠা ৮৮