الواضحة الموجزة التي يفهمها عامة الناس وخاصتهم. أما كتاب هذا القرن فقد أصبحوا في حاجة إلى صفوة تقرأ لهم وتفهم عنهم؛ إذ أصبح خيالهم قويا، ولغتهم غنية، لا يدرك أسرارها الجمهور؛ فليس كل قارىء ولا كل سامع بمستطيع أن يتذوق تشبيه الخط الجميل بأزهار الربيع، والألفاظ بقلائد النحر، والمعانى بلآلىء، ولا أن يدرك كيف تتمنى كل جارحة أن تكون أذنا تلتقط درر الكلام وجواهره، أو عينا تجتلى مطالعه ومناظره، أو لسانا يدرس محاسنه ومفاخره إذن فالصنعة التي عرف بها كتاب القرن الرابع لها وجهان: وجه جميل يدل على حذقهم وبراعتهم، ووجه آخر يدل على بعدهم من غاية البيان وهي الوضوح، إذ كان الإغراق في الصنعة بابا من الغموض ومن أهم الجوانب التي تمثل الحياة العقلية في ذلك العصر الخصومات العنيفة التى قامت بين الكتاب؛ فقد كانت بينهم مناوشات ومجادلات نشأت عن أطماعهم فى الحياة المادية، وكانوا يمثلون غالبا طوائف من الأفكار الدينية والسياسية يقومون في الدفاع عنها بما تقوم به الجرائد المغرضة في العصر الحاضر، وكان لهم من القوة ما كان للشعراء؛ فلم يكن بد من أن يتنافس أصحاب الملك في تقريبهم، ولم يكن بد كذلك من أن يتنافس هؤلاء في الاستئثار بالحظوة عند الوزراء والرؤساء والملوك وفي الرسالة التي كتبها بديع الزمان إلى أبى نصر بن المرزبان فقرات مرة تمثل ما كان عليه كتاب ذلك العصر من الطمع في المناصب الرسمية ومن ضعف الخلق عند الغنى، ومن النّبل عند الفقر: إذ «تنسيهم أيام اللدونة، أوقات الخشونة، وأزمان العذوبة، ساعات الصعوبة» وقد كانوا كما قال: «ما اتسعت دورهم، إلا ضاقت صدورهم، ولا أوقدت نارهم إلا انطفأ نورهم، ولا زاد مالهم إلا
1 / 29