معروفهم، ولا ورمت أكياسهم إلا ورمت أنوفهم، ولا صلحت أحوالهم، إلا فسدت أعمالهم، ولا فاض جاههم، إلا غاضت مياههم، ولا لانت برودهم، إلا صلبت خدودهم» «١» وفي تلك المنافسات الشديدة، وتلك الدسائس الملعونة، التى كانت تقع بين الكتاب، دليل على جشعهم في حب الحياة، وفهمهم لها فهما ماديا يتناسب مع تلك العبقريات الغنية التي ظهرت في فقرهم ورسائلهم وأبحاثهم؛ فإنه من المؤلم أن تظل قوة الحقد ويقظة الأثرة، وشدة العداوة، فى كل عصر من السّمات الغالبة على كبار الكتاب، ومن النادر أن تجد كاتبا كريما يعطف على زملائه، ويحب لهم الخير، ويتمنى لهم السّداد. وقديما أفزعت هذه الظاهرة عبد الحميد بن يحيى- وكان رجلا نبيلا- فكتب وصيته المعروفة يدعو بها الكتاب إلى التعاون ونبذ الأحقاد، وفى أيامنا تبعث تلك الشمائل من جديد؛ فلا نجد كاتبا في العالم العربى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بحيث نظن أن شبوب العبقرية يوحى بالطمع، والاستبداد بالفضل، والاستئثار بالجاه وأهم الخصومات التي وقعت بين كتاب ذلك العصر خصومة الهمذانى والخوارزمى، وخصومة التوحيدى والصاحب بن عباد أما خصومة الهمذانى والخوارزمى فترجع إلى رغبة الهمذانى في الظهور، وطمعه في الانفراد بالشهرة، وأهم مصدر لهذه الخصومة الرسالة المطولة التي كتبها الهمذانى في وصف المناظرة التي قامت بينه وبين الخوارزمى، وهي رسالة مغرضة مملوءة بالتحامل والصّغرنة، وليس فيها أفكار حدية تجعل خصومة بين عقلين، إنما هي محاورات لفظية تدل على غلبة الزخرف وتمكنه في السيطرة على عقول أهل
1 / 30