القسم الثالث: فاعلم أنت أن القسمة ثلاث: الجسم، والعرض، والجوهر الفرد. فالروح الحيواني جسم لطيف كأنه سراج مشتعل موضوع في زجاجة القلبن أعني الشكل الصنوبري المعلق بالصدر والحياة هو ضوء السراج، والدم دهنه، والحس والحركة نوره، والشهوة حرارته، والغضب دخانه، والقوة الطالبة للغذاء الساكنة في الكبد خادمه وحارسه ووكيله. وهذا الروح يوجد عند جميع الحيوانات لأنه مشترك بين البهائم وسائر الحيوانات. وهذا الروح لا يهتدي إلى العلم، ولا يعرف طريق المصنوع، ولا حق الصانع، وإنما هو خادم أسير يموت بموت البدن ولو يزيد دم الدهن ينطفي ذلك السراج بزيادة الحرارة أو ينقص ينطفي بزيادة البرودة، وانطفاؤه سبب موت البدن وليس خطاب الباري سبحانه ولا تكليف الشارع على هذا الروح، لأن البهائم وسائر الحيوانات غير مكلفين، ولا مخاطبين بأحكام الشرع، والإنسان إنما يكلف ويخاطب لأجل معنى آخر وجد عنده زائدا، خاصا وذلك المعنى هو النفس الناطقة والروح المطمئنة، وهذا الروح ليس بجسم ولا عرض، ولا يقبل الفساد، ولا يضمحل ولا يفنى، ولا يموت، بل يفارق البدن وينتظر العود إليه في يوم القيامة كما ورد به الشرع، وقد صح في العلوم الحكمية بالبراهين القاطعة، والدلائل الواضحة الساطعة، أن الروح الناطق ليس بجسم، ولا عرض بل هو جوهر ثابت دائم غير فاسد، ونحن نستغني عن تكرير البرهان وتعديد الدلائل لأنها مفروغة مذكورة. ومن أراد تصحيحها فليرجع إلى الكتب اللائقة بذلك الفن. فأما في طريقتنا، فلا نبالي بالبرهان، فالمعول على العيان، ونعتمد على رؤية الإيمان. ثم أورد حجة الإسلام بعض الأدلة والحجج وساق على هذا النمط العجيب حتى قال: وإذا كان الروح من أمر الباري سبحانه فيكون في البدن كالغريب، ويكون وجهه إلى أصله، وإنما يقبل على البدن رعاية لصلاحه، لا لضرورة ذاته، وإذا كان وجهه إلى أصله ينال الفوائد من جانب الأصل أكثر ما ينال من جهة الشخص، إذ هو قوي ولم يتدنس بأدناس الطبيعة، وإذا علمت أن الروح جوهر فرد، وعلمت أن الجسم لا بد له من المكان، والعرض لا يبقى إلا بالجوهر، فاعلم أن الجوهر لا يحل بمحل، ولا يسكن بمكان، وليس البدن مكان الروح، ومركب النفس، والروح بذاته غير متصل بأجزاء البدن، ولا منفصل بل هو مقبل على البدن ومقيد له، ومفيض عليه. ما أردت نقله من كلامه ﵀ وقد تعقب من وجهين: أحدهما أن قوله غير داخل في الجسم ولا خارج عنه، ولا متصل ولا منفصل، يلزم منه خلو الشيء عن الشيء وضده، وأجيب إن الشيء يجوز أن يخلو عن الضدين إذا كان كل واحد منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط، عدم المشروط لا محالة كما يقال في الجماد إنه لا عالم ولا جاهل، لأن الشرط المصحح لقيام العلم أو ضده في لجسم هو الحياة، وقد انتفت في الجماد فكذلك شرط الدخول والخروج، والاتصال والانفصال، هو التحيز وإذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشيء من ذلك.
1 / 6