ثانيهما: لزوم التناقض بأنه جعله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله تعالى (قُل الرُوح مِن أَمرِ رَبي) وإذا لم يكن مخلوقا، لم يكن محدثا، وقد قال إنه جوهر محدث، وأجيب: إن مراده ليس نفي كونه مخلوقا بل اصطلح على تسمية كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة غير الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطابه بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق، قال الله تعالى (أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمَر) فإذا لا مشاححة في ذلك ثم إن الدليل العقلي في كونه جوهرا قائم وذلك أنه قد علم مما مر أن الإنسان يباين سائر الحيوانات، بمعنى زائد على الحيوانية يكون به إدراك المعاني الكلية المجردة عن المادة، وبه سميت النفس الناطقة، أي المدركة من غير تعلم ولا طلب بل يجدها الإنسان حاصلة في ذهنه، ومعلوم له منذ أول نشوئه، وكأنها مولودة معه ولا يدري مع ذلك كيف حصلت ولا من أين حصلت، وذلك مثل أن النقيضين لا يجمتعان والكل أعظم من جزئه ونحوهما، ولا بد لهذه المعاني من حامل لها، فإما أن يكون جسما أو عرضا أو شيئا ليس بجسم ولا عرض، ومحال كونه عرضا إذا العرض لا يحمل شيئا ومحال أيضا أن يكون جسما، لأن الجسم منقسم والمعاني الكلية غير منقسمة أصلا، إذ لو انقسمت لم تخل أن تكون لأجزائها كلها معنا أولا، ومحال أيضا أن يكون للكل معنى غير موجود في شيء من الأجزاء، أو يقول قائل: إن ذلك المعنى يكون للكل عند إجتماع الأجزاء بعد أن لم يكن لها فليس إذ المعنى الموجود منقسم ولا هو لا حق للأجزاء عند اجتماعها والله أعلم.
وظاهر عبارة الشيخ شهاب الدين في (عورف المعارف) مائل إلى هذا المذهب ولفظه بعد أن ألم بشيء مما ذكره حجة الإسلام أن الروح الإنساني العلوي لما ورد على هذا الروح الحيواني باين أرواح الحيوانات واكتسب صفة أخرى، فصارت نفسا محلا للنطق والإلهام.
1 / 7