وذهب حجة الإسلام الغزالي وغيره من المحققين، ولعله إن شاء الله أشبه بالصواب إلى أنه جوهر محدث قائم بنفسه، غير متحيز، وأنه ليس داخل الجسم، ولا خارج عنه، وليس متصلا به، ولا منفصلا عنه، وذلك لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات. وتحقيق ذلك يتوقف على إيراد ما ذكره في الرسالة اللدنية وإن وقع إطناب فهو مغتفر في جنب ما تعرض له من نفائش الفوائد، فقال: اعلم أن الإنسان من شيئين مختلفين، أحدهما: الجسم المظلم الكثيف الداخل تحت الكون والفساد وهو المركب الترابي الذي لا يتم أمره إلا بغيره، والآخر: هو النفس وهو الجوهر الفرد المنير الفاعل المحرك المتمم للآلات والأجسام، والله تعالى ركب الجسد من أجزاء الغذاء ورباه بأجزاء الدماء، ومهد قاعدته وسوى أركانه، وعين أطرافه، وميز قواه، وأظهر جوهر النفس من أمره الواحد الكامل المكمل المقيد، ولا أعني بالنفس القوة الطالبة للغذاء ولا القوة المحركة للشهوة والغضب، ولا القوة الساكنة في القلب المولدة للحياة المنفذة للحس والحركة من القلب إلى جميع الأعضاء، فإن هذه القوة تسمى روحا حيوانيا والحس والحركة والشهوة والغضب من جنده، وتلك القوة الطالبة للغذاء الساكنة في الكبد بالتصرف بالغذاء، يقال لها روحا طبيعيا، والهضم والدفع من صفاتها، والقوة المصورة والمولدة والنامية وباقي القوة المتصورة كلها خدام للنفس والجسد، والجسد خادم الروح الحيواني لأنه يقبل القوى عنه، ويعمل بحسب تحريكه، وإنما أعني بالنفس، ذلك الجوهر الكامل الفرد الذي ليس من شأنه إلا التذكر والتحفظ والتفكر والتمييز والروية، ويقبل جميع العلوم، ولا يمل عن قبول الصور المجردة المعراة عن المواد، وهذا الجوهر رئيس الأرواح وأمير القوى، والكل يخدمونه ويمتثلون أمرهن والنفس أعني هذا الجوهر عند كل قول اسم خاص، فالحكماء يسمون هذا الجوهر عند كل قول اسم خاص، فالحكماء يسمون هذا الجوهر النفس الناطقة، والقرآن يسميه النفس المطمئنة والروح الأمري، والمتصوفة تسميه الروح، وتارة تسمية القلب، والخلاف في الأسامي والمعنى واحد لا خلاف فيه، والروح عندنا والمطمئنة كلها أسامي للنفس الناطقة، والنفس الناطقة هي الجوهر الحي الفعال المدرك، وحيث ما نقول الروح المطلق، أو القلب، فإنما نعني به هذا الجوهر. والمتصوفة يسمون هذا الروح الحيواني نفسا، والشرع ورد بذلك فقال: أعدي عدو لك نفسك، وأطلق الشارع اسم النفس، بل أكدها بالإضافة فقال: نفسك التي بين جنبيك، وإنما أشار بهذه اللطيفة إلى القوة الشهوانية والغضبية فإنهما ينبعثان عن القلب الواقف الواقع بين الجندين، فإذا عرفت فرق الأسامي، فاعلم أن القائلين يعبرون عن هذا الجوهر النفيس بعبارات مختلفة، ويرون فيها آراء متفاوتة.
والمتكلمون المعروفون بعلم الجدل يعدون النفس جسما، ويقولون هو جسم لطيف، بإزاء هذا الجسم الكثيف، ولا يرون الفرق بين الروح والجسد غلا باللطافة والكثافة، وبعضهم يعد الروح عرضا، وبعض الأطباء يميل إلى هذا القول، وبعضهم يرى الدم روحان وكلهم قنعوا بقصور نظرهم على تخيلهم وما طلبوا.
1 / 5