وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص، وتحبه، أو تأباه، وتذمه، أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه وبين الله_تعالى_فإنه يكفيه كل هم، ويدفع عنه كل شر.
وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده، وعاد حامده ذاما+(190).
وقال×: =إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة؛ كم من مؤمن بالله_عز وجل_يحترمه عند الخلوات، فيترك ما يشتهي؛ حذرا من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالا له؛ فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودا هنديا على مجمر، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، ولا يدرون أين هو.
وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود.
فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص، وألسنتهم تمدحه، ولا يعرفون لم، ولا يقدرون على وصفه؛ لبعدهم عن حقيقة معرفته.
وقد تمتد هذه الأراييح(191) بعد الموت على قدرها؛ فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره، وقبره،(192) ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدا.
وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب_يفوح منه ريح الكراهة، فتمقته القلوب.
فإن قل مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه.
وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه، ولا يذمونه.
ورب خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة، وكأنه قيل له: ابق بما آثرت؛ فيبقى أبدا في التخبيط.
فانظروا إخواني إلى المعاصي أثرت، وعثرت.
قال أبو الدرداء÷: إن العبد ليخلو بمعصية الله_تعالى_فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
فتلمحوا ما سطرته، واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم؛ فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص+(193).
পৃষ্ঠা ৭১