فلا يزال عليه السلام راكعا، وساجدا، وذاكرا حتى تطلع الشمس لا [يحدث أحدا](1) ولا يلتفت إلى أمر غير ما هو فيه، (ولا يكلم أحدا)(2)، ثم النهار قد وظفه للعبادات حتى يصلي العشاء الآخرة بوضوء فجر يومه في أكثر الأوقات، ولطالما صلى الفجر في يومه بوضوء فجر اليوم الأول، وهذه من غرائب محاسنه التي انفرد بها، ولا يفتر لسانه عن ذكر الله في الملأ والخلوات، وعلى مرور الأوقات.
وله من(3) التواضع لله سبحانه، والخضوع لجلاله، والتعظيم لكلامه، والآداب اللائقة بالقرآن العظيم(4) ما لا يقدر وصفه.
ومن ذلك أن شاعرا افتتح بآية قاعدا، ثم قام لإنشاد قصيدة؛ فنهره -عليه السلام- وقال [له](5): هلا قمت لقراءة القرآن وقعدت (في إملاء)(6) الشعر، وكان إذا قرأ القرآن قام قائما، وكان في أعلى الدرجات في التوكل على الله سبحانه وتعالى، وتفويضه الأمر إليه في جميع حالاته، وحركاته، وسكناته، ولا يعتريه الإعجاب بالجنود وكثرتهم(7).
وأما ورعه عليه السلام فكان كالمعصوم عن الإخلال بواجب، أو ارتكاب قبيح ولو ثبتت العصمة (لأحد غير) (8) من ورد الشرع بعصمته لكانت له، وهو كما قال المنصور بالله: فلا والله ما قارفت ذنبا كبيرا مذ ملكت جفون عيني.
وأما تدبيره عليه السلام فكان له من لطف التدبير، والبراعة فيه، والمعرفة بوجوهه، والبلوغ إلى غايات(9) الإحكام له، والتصرف الماهر في مصادره وموارده والخبرة الكلية بما تحسن أوائله، وتحمد عواقبه ما لا يمكن وصفه للواصفين.
পৃষ্ঠা ৬০