وظهر في القرن السابع عشر رجل شريف يسمى ماتفييف، كان يميل بطبعه إلى المدنية الأوروبية وعادات أهلها، فزين غرف منزله على الزي الأوروبي، بالمرايات والساعات والصور المختلفة، وأحضر لابنه أساتذة أجانب ليعلموه العلوم والآداب، ولم ينسج على منوال أشراف روسيا في ذلك العهد، الذين كان يرافقهم دائما أبدا عدد من الندماء والمشعوذين. ثم إنه لم يتمسك أيضا بعادات الأشراف من جهة نساء منزله؛ فإنه كان يتناول الطعام على مائدة واحدة مع زوجته وبناته. وحدث مرة أن الملك أليكسي ميخايلوفتش زاره زيارة بسيطة، فرأى ربيبته الآنسة ناتاليا كيريللوفنا من أسرة نارشكين، فأسرت لبه بلطفها وجمالها وعذوبة ألفاظها، وما فتئ حتى تزوجها، ولما أصبحت ملكة خالفت عادات الملكات، فغدت تظهر للجمهور، وأخذت تزور مراسح التمثيل، ومن هذا العهد أخذت نساء البلاط يظهرن للشعب.
الفلاح في روسيا القديمة
كان الفلاحون في روسيا القديمة مستعبدين للأشراف استعبادا تاما، هم وعائلاتهم وأولادهم وبيوتهم، ولم يكن يحق للواحد منهم الانتقال من سيد إلى سيد، وكان أسيادهم يعينون لهم وكلاء، يسومون الفلاحين صنوف العذاب والهوان، ويعاملونهم معاملة الحيوانات العجم، بل أشد من ذلك. وكثيرون من الفلاحين كانوا يهربون تخلصا من هذه المعاملة إلى الأقاليم القوزاقية، حتى خلت البلاد منهم. وقال أحد المؤرخين المسافر في بلاد روسيا في ذلك الوقت، إنه قطع مساحة تبلغ آلافا من الكيلومترات، لم يصادف في طريقه عشر نساء ورجلا واحدا. وكان أسيادهم ووكلاؤهم يجلدونهم ويعاقبونهم بجميع أنواع العقابات الجسدية، وكانوا يبيعون الفلاحين وأولادهم ونساءهم كما تباع الخنازير والحمير. وعلى هذه الطريقة كان الفلاحون لا يملكون شبر أرض، بل يعملون ليلا ونهارا متحملين حر الصيف وبرد الشتاء لخدمة أسيادهم بدون مقابل على أتعابهم؛ ومع ذلك ما كانوا يجدون ما يسدون به رمقهم ويسترون به أجسادهم. ومهما أجهد الكاتب قريحته، فإنه لا يستطيع وصف الحالة السيئة التي كان يقاسيها الفلاح الروسي المسكين. وفي اللغة الروسية كتب كثيرة مؤلفة بهذا الموضوع، تقشعر من هول وصفها الأبدان، وترتعد الفرائص.
وبقي الفلاحون يرسفون بأغلال الاستعباد، ويتحملون ضروب الشقاء إلى زمن القيصر إسكندر الثاني، الذي هزته الأريحية والغيرة الوطنية إلى تحرير الفلاحين من نير الاستعباد. وقد كان لخبر تحريرهم رنة فرح وسرور في جميع أنحاء روسيا، وما زال ذلك اليوم إلى يومنا هذا عيدا عظيما، يعيده الفلاحون في كل عام. وقد سجل القيصر إسكندر الثاني له ذكرا مجيدا في بطون التاريخ الروسي، وما زال ذكره حيا، يردد اسمه كبار الفلاحين وصغارهم مقرونا بالشكر والتمجيد والتعظيم. وقد نظم الشعراء كثيرا من القصائد الرنانة والأغاني الوطنية التي ما زالوا يتناشدونها إلى اليوم في ساعات الصفاء والراحة، وإني ما زلت أذكر من أيام المدرسة الروسية في مدينتي ووطني الناصرة التي تلقيت فيها علومي، بعض أبيات من أغنية علمنا إياها أستاذ الغناء أعربها تعريبا حرفيا:
يا حريتي! يا حريتي الذهبية!
إن الحرية صقر حر طائر في الفضاء الفسيح.
إن الحرية شفق منير.
ومنها:
إن محبنا ووطننا العظيم منحنا هذه الحرية ، التي أصبحنا بعدها أحرارا نرتع في رياض الصفاء والراحة ... إلخ.
وأما الفلاح الروسي اليوم، فقد تحسنت حالته تحسنا يذكر، وأصبح يمرح في رياض الحرية، ويشتغل بأملاكه التي وهبتها له الحكومة، وكل ذلك سيأتي وصفه وبيانه في سياق تعريب ملحق جريدة روسيا الذي أشرت إليه آنفا.
অজানা পৃষ্ঠা