ولما جلس على عرش الملك، كانت المملكة في اضطراب عظيم، وكانت خزينتها خالية خاوية، والأمة في فقر مدقع، وفوق ذلك، فإن أعداء روسيا في الداخل والخارج كانوا يحاولون تمزيقها ببراثنهم الحادة؛ فإن عصابات القوزاق كانت تطوف البلاد وتعيث فيها فسادا، وتنهب القرى، وتقتل الناس بلا رحمة ولا شفقة. وأعظم خطر كان يهدد روسيا في ذلك الوقت، زحف أهالي ليتفا الكاثوليكية تحت قيادة قائدهم المشهور ليسوفسكي، الذي كان يتنقل من جهة إلى أخرى يقتل من يصادفه في طريقه وينهب القرى.
إن الملك ميخائيل، مع حداثة سنه وعدم خبرته، تمكن من الثبوت على عرش المملكة، واستطاع توطيد أركان السلام والأمن في أنحائها؛ ولذلك أسباب عديدة وجيهة؛ أهمها أن الشعب كان منهكا من كثرة الحروب وتواليها، ونهب الناهبين لأمواله وأرزاقه، وقد وضع ثقته في الملك الجديد، واعتقد أنه المنقذ الوحيد الذي يستطيع إنقاذه من المصائب والنوائب المتوالية، فأصبحت الثقة متبادلة بين العرش والشعب.
وكان الملك الشاب يكثر من عقد الجمعيات العمومية للمداولة في شئون المملكة وأحوالها، ثم وجه التفاته إلى أعداء روسيا الذين يهددونها بين آونة وأخرى، فشتت شمل العصابات القوزاقية، وقبض على زعيمها بلوفين وشنقه، ثم وجه اهتمامه إلى عدو كبير للمملكة، اسمه زاروتسكي، الذي كان محتلا لمدينة أستراخان، وأقلق الأقاليم المتاخمة لبحر قزوين، فقبض عليه أيضا وأماته ميتة شنعاء، ثم أرسل القائد بوجارسكي ضد ليسوفسكي العاتي، فطارده مدة طويلة، ولكنه لم يستطع التغلب عليه. ولكنه في سنة 1616 مات ليسوفسكي وأراح الله بموته مملكة موسكو من شره.
ثم بعد ذلك قام الملك الشاب بحروب عديدة مع أسوج ونروج وملوك آخرين، لا محل لذكرها في هذا الكتاب الذي أرمي في تأليفه إلى جهة أخرى غير الجهة التاريخية، وهي وصف ما كانت عليه روسيا من الانحطاط قبل تملك آل رومانوف، وما جرى لها من التقدم على عهد تملكهم السعيد، إلى أن وصلت إلى حالتها الحاضرة من القوة والرفعة وعزة الشأن.
القضاء في روسيا القديمة
كانت الأحكام في روسيا القديمة على غاية من البساطة المتناهية، فكان الأخصام يحضرون إلى دار الأمير (الحاكم) الذي كان ينظر في الخصام، ثم يعهد حله والحكم به إلى أشخاص منتخبين من الشعب (محلفون). وكان الحكم يجري شفهيا بدون كتابة، فيحضر الخصمان شهودهما، وأحيانا كانا يقدمان تقارير كتابية عن قضيتهما، وإذا ارتاب المحلفون في أمر القضية، كانوا يحلفون الخصمين تاركين الحكم العادل في ذلك لله. وجملة القول أن القضايا كانت تحل بسرعة وبدون تأجيل. وفي مدينة نوفغورد كانوا يعينون مدة لا تزيد عن الشهرين لحل النزاع بشأن الأراضي، ولكن كانت الرشوة شائعة جدا، وقلما كان الإنسان ينهي قضيته بدون رشوة. وكان الحكام إذا لم يملأ الأخصام جيوبهم، يصادرونهم ويضيعون حقوقهم ويعاقبونهم بالعقابات الجسدية، كالجلد وما شابه ذلك. وأما في القرى، فكانت تعهد الأحكام إلى العمد ووكيل الحاكم الذي يعين خاصة لهذا الغرض. ومجمل القول أن الأحكام كانت مختلة معتلة، وقلما يتحصل الإنسان على حقه، وكان بودي إطالة الكلام على الأحكام والأوامر الملوكية والقوانين، ولكن حال ضيق المجال ذلك فاكتفيت بما ذكرت.
حالة المرأة في روسيا القديمة
كانت المرأة الروسية في العهد القديم متمتعة بحرية تامة؛ تحضر الولائم والاجتماعات المختلفة، ولكن في مملكة موسكو، كانت الأسر الشريفة تحجز النساء ولا تسمح لهن بالخروج والاجتماع بالرجال.
وبناء على ذلك كانت الملكة وبناتها لا يظهرن على أحد من الرجال، إلا أقرب أهاليهن، وكذلك الأشراف كانوا يحجبون نساءهم وبناتهم، ولا يصرحون لهن بالخروج إلا إلى الكنيسة وقصر الملك لزيارة الملكة. وقبل زواجهن ما كانت عين رجل تقع عليهن مطلقا، حتى إن العريس ما كان يستطيع رؤية عروسه إلا بعد أن تصبح زوجة له، وكانت والدته وقريباته يخترن له عروسا ويصفنها له.
وكانت المرأة في العهد القديم، في بيوت الأشراف، لا تتمتع بشيء من الحقوق، حتى إنه لم يكن يحق لها إدارة شئون منزلها، أو حق تربية أولادها، الأمر الذي كان يعهده الأشراف إلى المربيات أو الخالات أو العمات، اللاتي كن يربين الأولاد تحت مراقبة أب العائلة. والمرأة العريقة في الحسب كان من العار عليها إرضاع أولادها.
অজানা পৃষ্ঠা