مع ذلك من الخير ليجد أرباب المتاع ما يأخذون منه يوم القيامة فليس إنصافه عمرا بمسقط عنه ظلم زيد . وأما من تاب بزعمه وهو زام يديه على ما ظلم فيه أو على ما يدري انه ظلم بعينه بين ، فهذا مصر لا تائب ، ولكنه ممسك عن الازدياد من الظلم ، كإنسان مصر على الزنا إلا انه لا يزني . وأما التوبة من ضرب إنسان ، فهو بأن يمكن الإنسان من نفسه ليقتص منه أو ليعفو ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقتص من نفسه في ضربة بقضيب ، فإن مات المضروب فموعدهما يوم يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء ، ولكن ليستكثر من فعل الخير ليجد من ظلم ما يأخذ وما يترك ، وكذلك القول في سب الأعراض والإخافة . وأما الإفساد فالتوبة منه بالإقلاع والندم والإصلاح . والضرب الرابع : من امتحن بقتل النفس التي حرم الله تعالى ، وهذا أصعب الذنوب مخرجا ، فقد جاء عن النبي : من استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة [ 253 ب ] وقد عاينها وشم ريحها ملء محجم من دم امرئ مسلم فليفعل ، أو كلاما هذا معناه . فمن ابتلي بهذه العظيمة ، فتوبته أن يمكن ولي المقتول من دمه ، فإن قتله فقد اقتص منه وانتصف ، وإن عفا أو أكثر قتلاه ، فليلزم الجهاد ، وليتعرض للشهادة جهده ، فما أرجو أن يكفر عنه فعل شيء غيرها . فإن اعترض معترض بالحديث الذي فيه أن رجلا قتل مائة ثم تاب أدخله الجنة ( 1 ) ، فلا حجة له فيه ، لأن ذلك كان في الأمم الذين قبلنا ، هكذا نص الحديث المذكور ، وكانت أحكام تلك الأمم بخلاف أحكامنا ، قال الله تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة } ( المائدة : 48 ) ، ومنها [ ما ] جاء في الحديث نفسه أن توبة ذلك القاتل كانت بأن خرج من قريته قرية السوء إلى قرية قوم صالحين ، وهذا لا معنى له عندنا ولا في ديننا بإجماع الأمة ، وقد كانت توبة بني إسرائيل بقتل أنفسهم ، وهذا حرام عندنا وفي ديننا لا يحل ألبتة ، ولعل ذلك القاتل المائة كان كافرا فآمن ، فمحا إيمانه كل ما سلف له في كفره ، فهذا أيضا وجه ظاهر .
পৃষ্ঠা ১৮৩