- 5 - رسالة التلخيص لوجوه التخليص
[ 235 ب ] بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم صلى على محمد وعلى آله
قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم رحمه الله : سلام عليكم أيها الاخوة الفضلاء ، والصدقاء الكرام ، المغتبط بودهم ، الذي هو أفضل من القرابة الواشجة والمجاورة الدائمة ، فقد بشر الله عز وجل المتحابين فيه بأتم البشرى ، وأنه يظلهم يوم لا ظل إلا ظله . فأني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو الموفق للخير ، الواهب للنعم ، وأسأله الصلاة على نبيه ورسوله وصفيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأستوهبه تعالى لي ولكم المزيد من كل حسنة مقربة منه ومبعدة ( 1 ) من سخطه . قال أبو محمد : أما بعد ، فإن كتابكم ورد علي وفي أوله وصفكم لي بما لست أهله عند نفسي ، ولكني احدث بنعمة الله تعالى علي مؤتمرا لأمره إذ يقول عز وجل { وأما بنعمة ربك فحدث } ( الضحى : 11 ) ، فأقول : بلى ، عن الله تعالى عندي نعما أنا أسأله ثم أرغب إليكم بالأمانة التي عرضها الله تعالى { على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } ( الأحزاب : 72 ) أن تسألوه تعالى لي ولكم إذ يخفف في سجودكم في أواخر ليلكم ، أن لا يجعل ما وضع عندنا من مادة الفهم في دينه فتنة لنا في دينه ، ولا حجة علينا في الآخرة ، وأن يجعل ما أودعنا من ذلك عونا على طاعته في هذه الدار ، وزلفى لديه تعالى في دار القرار ، آمين آمين . والذي ذكرتم من وجوب الإرشاد للمسترشد ، ولزوم البيان لمن سأل ، فنعم ، سمعا وطاعة لأمر الله تعالى إذ يقول : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم } ( البقرة : 159 ، 160 ) ، أعاذنا الله وإياكم من كل ما يؤدي للفتنة ، ورزقنا البيان الموجب لمرضاته وتوبته ، آمين .
পৃষ্ঠা ১৪৩
ولقد ذكر بعض ( 1 ) أهل العلم وابتغاء الخير في الشيخ الفاضل أبي الخيار مسعود ابن سليمان بن مفلت ( 2 ) رضي الله عنه معتمدا قويا ومعتقدا ( 3 ) كافيا ، برد الله مضجعه ، [ 236 / أ ] ونفعه بفضله وعمله ، وصحة ورعه وفهمه ، وصدعه بالحق ، رفع الله بذلك درجته . وأما ما ذكرتم من صفتي عنكم فأقول على ذلك ما قال سفيان ابن عيينة ، رحمه الله ، إذ رأى حاجة الناس إليه بذهاب السالفين من أئمته ، فأنشد رافعا صوته بحضرة الجماعة ( 4 ) : خلت الديار فسدت غير مسود . . . ومن الشقاء تفردي بالسؤدد ورأيت المسائل التي سألتم عنها ، فوجدتها مسائل لا يستغني من له أقل اهتمام بدينه عن البحث عنها والوقوف عليها . ولقد أجدتم ( 5 ) السؤال ، وأنا أسأل الله تعالى [ أن ] يوفق لإصابة الجواب عنه يا رب العالمين . ورأيتكم سألتم في بعض تلك المسائل بألفاظ شتى والمعنى واحد ، فنصصت ألفاظكم فيها لتقفوا على ذلك إن شاء الله تعالى .
1 - سألتم - وقفنا الله وإياكم - عن أقرب ما يعتب به العبد المجرم ربه تعالى ، وعن أفضل ما يستنزل به عفوه وفضله عز وجل ، ويستدفع به سخطه وغضبه ، وعن انفع ما يشتغل به من كثرت ذنوبه ، وعن خير ما يسعى به المرء في تكفير صغائره وكبائره . فهذه أيها الصفوة الفاضلة أربع مسائل فرقتم بينها ومعناها واحد . فالجواب إن شاء الله تعالى عن ذلك . قال تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } ( هود : 114 ) . وحدثنا الرجل الصالح [ أبو ] محمد [ عبد الله ] بن يوسف بن نامي ، عن أحمد بن فتح ( 6 ) ، عن عبد الوهاب بن عيسى ،
পৃষ্ঠা ১৪৫
عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن علي ، عن مسلم بن الحجاج ، عن قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( 1 ) : ' الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ' ، فكان هذا الحديث موافقا لقول الله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } ( النساء : 31 ) . فصح أن بأداء الفرائض واجتناب الكبائر - أعاذنا الله وإياكم منها - تحط السيئات التي هي دون الكبائر . فبقى أمر الكبائر ، فوجب النظر فيها ، فوجدنا الناس قد اختلفوا فيها ( 2 ) . فقالت طائفة : هي سبع ، واحتجوا بحديث النبي عليه السلام ( 3 ) [ 236 ب ] : ' اجتنبوا السبع الموابقات ، فذكر عليه السلام الشرك ، والسحر ، وقتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ' وروي عن ابن عباس أنه قال : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع . فوجب النظر فيما اختلفوا فيه من ذلك ، ورده إلى القرآن وحديث النبي الصحيح عنه كما أمرنا ربنا عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ( النساء : 59 ) ، فلما فعلنا ذلك ، وجدنا الحديث المذكور الذي احتج به من قال : إن الكبائر سبع ، لا أكثر ليس فيه نص على أنه لا موبقات إلا ما ذكر فيه ، ولا فيه ما يمنع من وجوب موبقات أخر إن جاء بذلك نص آخر . وأما لو لم يأتنا آخر في أن ليس ها هنا كبائر غير السبع المذكورة ، لوجب علينا الاقتصار على ما في ذلك الحديث فقط . وإما وجدنا نصا آخر بإثبات كبائر لم تذكر في هذا الحديث ، فواجب علينا إضافتها إلى الموبقات المذكورة فيه ،
পৃষ্ঠা ১৪৫
لأنه ليس شيء من كلامه عليه السلام أولى بالقبول من بعض ، بل الكل واجب قبوله ، ولا تعارض في شيء منه ، لأنه كله من عند الله عز وجل ، قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ( النجم : 3 ) ، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ، قال الله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ( النساء : 82 ) . فصح بهذا ما قلنا من ضم ما يوجد في النصوص ضما واحدا ، وقبوله كله وإضافته بعضه إلى بعض ، فنظرنا في ذلك فوجدناه عليه السلام قد ادخل في الكبائر وبنص لفظه غير الذي ذكر في الحديث الذي ذكرنا آنفا ، فمنها : قول الزور ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والكذب عليه السلام ، وتعريض المرء أبويه للسب بأن يسب آباء الناس . وذكر عليه السلام الوعيد الشديد بالنار على الكفر ، وعلى كفر نعمة المحسن بالحق ، وعلى النياحة في المآتم ، وحلق الشعور فيها ، وخرق الجيوب ، والنميمة ، وترك التحفظ من البول ، وقطيعة الرحم ، وعلى الخمر ، وعلى تعذيب الحيوان بغير الذكاة لأكل ما يحل أكله ، أو ما أبيح أكله منها ، وعلى إسبال الإزار ، على سبيل البخترة ، وعلى المنان بما يفعل من الخير ، وعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب ، وعلى مانع فضل مائه من الشارب ، وعلى الغلول ، وعلى مبايعة الأئمة للدنيا فإن أعطوا منها وفي [ 237 / أ ] لهم وغن لم يعطوا منها لو يوف لهم ، وعلى المقتطع بيمنه حق امرئ مسلم ، وعلى الإمام الغاش لرعيته ، وعلى من ادعى إلى غير أبيه ، وعلى العبد الآبق ، وعلى من غل ، وعلى من ادعى ما ليس له ، وعلى لاعن ما لا يستحق اللعن ، وعلى بغض الأنصار ، وعلى تارك الصلاة ( 1 ) ، وعلى تارك الزكاة ، وعلى بغض علي . ووجدنا الوعيد الشديد في نص القرآن قد جاء على الزناة والمفسدين في الأرض بالحرابة ، فصح لي أن كل ما يوعد الله به النار فهو من الكبائر ( 2 ) . فلما صح هذا كله بنص القرىن ، إذ من اجتنبها أدخله الله مدخلا كريما ، ونص الحديث أيضا ، وجب النظر في ذلك على المؤمن المشفق من عذاب ربه تعالى ومن نار هي أحر من نار هذه بسبعين ضعفا ، ومن الوقوف بأصعب الأحوال وأشد الأهوال واعظم الكرب واكثر الضيق وأكثر العرق
পৃষ্ঠা ১৪৬
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، نسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من شر ذلك اليوم ، وأن يرزقنا فيه الفوز والنجاة . فوالله أيها الأحبة إن أحدنا ليشتد روعه ويخفق قلبه من وعيد آدمي ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا يقدر أن يتمادى شهرا واحدا في عذاب من عاداه وكاشفه بأكثر من الحبس ، فكيف بذلك اليوم المذكور ، وبعذاب أهونه الوقوف في حال دنو الشمس من الرءوس ، وبلوغ العرق إلى أكثر مساحة الأجسام ، في يوم طوله خمسون ( 1 ) ألف عام ، ثم بعد ذلك يرى مصيره إما إلى جنة أو إلى نار فأين المفر إلا إلى الله وحده لا شريك له فوجدناه تعالى قال : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ( الأنبياء : 47 ) ، وقال تعالى : { فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ماهيه * نار حامية } ( القارعة : 6 - 11 ) ، فعلمنا بهذا وبقوله تعال : { إن الحسنات يذهبن السيئات } ( هود : 114 ) ، أن من استوت حسناته وسيئاته وفضلت له حسنة واحدة لم ير نارا فيا لها من سرور ما أجله ، وهذا هو معنى قوله عليه السلام ( 2 ) : ' إن بغيا سقت كلبا فغفر الله لها ، وإن رجلا أماط غصن شوك عن الطريق فأدخله الله الجنة ' وذلك أن هذين فضل لهما هذان العملان بعد موازنتهما سيئاتهما بحسناتهما ، فخلصا من النار [ 237 ب ] ودخلا الجنة . فوجب علينا إذ قد جاءتنا عهود ربنا بهذا كله ، أن نطلب الأعمال الماحية أو الموازنة للسيئات ، فيثابر المرء منها على ما وفقه الله تعالى للمثابرة عليه . فوجدناه ، عليه السلام ، قد سئل عن أحب الأعمال إلى الله تعالى ، فذكر الصلاة لميقاتها ، والجهاد ، وكثرة السجود ، وذكر عليه السلام انه ( 3 ) : ' لا حسد إلا في اثنين : رجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ، ورجل أوتي مالا فسلطه الله على هلكته في الحق ' ، وذكر لعمر ، رضي الله عنه ، تحبيس أصل ماله وتسبيل ثمرته ، وذكر عليه السلام أنه ( 4 ) ' لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه طائر أو سبع أو إنسان إلا كان له
পৃষ্ঠা ১৪৭
صدقة ' . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وجب إتحافكم به ، فهو من أفضل الهدايا ، وذلك ما حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن نامي بالإسناد المتقدم إلى مسلم ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، ثنا محمد بن ميمون ثنا واصل الأحدب مولى أبي عيينة ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( 1 ) : ' يصبح على كل سلامي من احكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، ويجزئ من كل ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ' . وحديث رويناه من طريق مالك عن سمي مولى أبي بكر ( 2 ) ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن النبي عليه السلام قال ( 3 ) : ' من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، في كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما أتى به إلا من عمل ( 4 ) أكثر من ذلك ' . وصح عنه عليه السلام أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم ( 5 ) : ' أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قالوا : وكيف يا رسول الله قال : إن ' قل هو الله أحد ' تعدل ثلث القرآن ' وانه عليه السلام ذكر لهم سبحان الله والحمد لله والله أكبر ، عددا يبلغ مائتين وخمسين مرة لكل واحدة منهن عشر حسنات فذلك ألفان وخمسمائة حسنة كل يوم ، وأنه عليه السلام قال ( 6 ) : فأيكم يعمل في يومه ألفين وخمسمائة سيئة أو كلاما هذا معناه ؛ وأمر عليه السلام الفقراء إذ شكوا إليه [ أن ] الأغنياء يعتقون وتصدقون ، وهم لا يقدرون على ذلك [ 238 / أ ] فأمرهم عليه السلام أن يقولوا في دبر كل صلاة :
পৃষ্ঠা ১৪৮
الله اكبر أربعا وثلاثين مرة ، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة فتلك مائة . وقد نص الله أن الحسنة بعشرة أمثالها ، فعلى هذه للمائة المذكورة ألف حسنة ( 1 ) . وحض النبي على قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأخبر أنها من كنوز الجنة ( 2 ) . وحض عليه السلام على الاستغفار ، وأخبر عليه السلام أنه ربما استغفر في اليوم مائة مرة . فهذه وصايا نبيكم الذي بنا رءوفا رحيما حريصا على صلاحنا ، الذي لا ينطق عن الهوى عن هو إلا وحي يوحى ، فعليكم بها ، ودعوا أقوال البطالين الكذابين المفسدين في الأرض القائلين إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة البطالين ، كذبوا وأفكوا ، بل هم البطالون المبطلون حقا ، العائجون عن سبيل ربهم وعن صراط نبيهم المستقيم ، بل الاستغفار تركه علامة الفاسقين المصرين المستخفين ، نعوذ بالله من مثل سيرتهم . فهذه وفقنا الله وإياكم حظوظ رفيعة مع سهولة مأخذها ، وقرب متناولها ، لا تقطع بأحد منكم عن عمله ، ولا تقطع جسمه ، ولا ترزؤه كلفة ، إذ أحصاها عالم الغيب والشهادة عز وجل اجتمع بها ما يرجى تثقيل ميزان الحسنات ، فتحبط بذلك السيئات ، فلعل النجاة تحصل . ولسنا نقول هذا على الاقتصار على ذلك دون الاستكثار من سائر أعمال الخير ، ومن تلاوة القرآن ما أمكن ، فإنا روينا عن ابن عباس رضي الله عنه ، أو عن أنس بن مالك - الشك مني - انه قال ( 3 ) : إنكم لتعلمون أعمالا هي أدق في عيونكم من الشعر ، كنا نعهدها على عهد رسول الله من الموبقات ، فاعلموا أيها الإخوة أن الأمر والله جد ، وان المنتشب صعب ، وأن التخليص عسير إلا بتوفيق الله عز وجل برحمته لعمل الخير ، بقبول اليسير منا ، وتجاوزه عن كثير ذنوبنا ، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة ، ولكن الله تعالى قال وقوله الحق : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى } ( سورة النجم : 39 - 42 ) و { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } ( سورة النمل : 90 ) ، وقال تعالى { فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } ( سورة يس : 54 ) .
পৃষ্ঠা ১৪৯
فيستحب للمسلم الذي يطلب النجاة أن يأتي بما لعله أن يوازي ذنوبه ويوازن سيئاته ، وأن يواظب على قراءة القرآن فيختمه في كل شهر مرة ، فإن ختمه في أقل فحسن ما بين ما ذكرنا إلى أن يختمه في ثلاث لا أقل ، ولا يسع أحدا أن يختمه في أقل من ذلك ، ويواظب مع ذلك [ 238 ب ] على قراءة قل هو الله أحد ، ولو في كل ركعة من صلاته مع أم القرآن وسورة أخرى ، فإنا روينا أن رجلا من الأنصار كان يفعل ذلك ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فعله ذلك فقال : إني أحبها ، فقال عليه السلام : عن حبك إياها أدخلك الجنة ، أو كما قال . وإن لم يفعل فليقرأها في كل يوم مرة ، فإنها تعدل في الآخر ثلث القرآن ، وهذا الآخر لا يحقره إلا مخذول ، فإن كثر منها فحظه أصاب ؛ وليكثر من الصلاة على النبي متى ذكر ، فإنا روينا عنه انه قال ( 1 ) : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا . أفيزهد أحدكم عند الأكل والشرب وعند المسرة ترده ، [ إلا ] محروم . وليكثر من حمد الله عز وجل عند الأكل والشرب وعند المسرة ترده ، فقد روينا عن النبي عليه السلام في ذلك كلاما معناه أن العبد لا يزال يفعل ذلك حتى يرضى الله عنه ، أو كلاما هذا معناه ، وليكثر من قول لا إله إلا الله ، فإنها ألفاظ تتم بحركة اللسان دون حركة الشفتين فلا يشعر بذلك الجليس . وليواظب على صلاة الفرض في الجماعة ، فإنه صح عن النبي عليه الصلاة أن صلاة الصبح في الجماعة تعدل قيام ليلة ، وصلاة عشاء الآخرة في الجماعة تعدل قيام نصف ليلة ( 2 ) ، فأيكم أيها الأخوة يطيق القيام ما بين طرفي ليلة لا ينام فيها أو نصف ليلة كذلك فقد حصل له هذا الأجر تاما بأهون سعي وأيسر شيء . وليكثر من ألفاظ رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهي انه دخل على إحدى أمهات المؤمنين وهي في مصلاها تذكر الله عز وجل ، فقال لها رسول الله : لو قلت كلمات ثلاثا فوزنت ( 3 ) بما قلت لرجحتهن - أو قال : لعدلتهن ( 4 ) - وهي : ' سبحان الله عدد خلقه ، ورضى نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته ' ، فنحن نستجب أن يقولها العبد ثلاثا كل يوم ، وليواظب جهده ، وقد صح أن العبد يحاسب
পৃষ্ঠা ১৫০
يوم القيامة ، فإن وجد في فرائض صلاته نقص جبر من تطوع عن كان له ، وكذلك في صيامه وزكاته وسائر أعماله ، ورويناه من طريق تميم الداري عن رسول الله ، ويبين صحة هذا قوله تعالى : { إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } ( آل عمران : 195 ) ، ولا يلتفت إلى قول من يصد عن سبيل الله : ' لا صلاة لمن لا يتم الفرض ' ، فهذا قول لم يأت به نص ولا إجماع ، وإنما هذا فيمن ضيع الفرض في آخر وقته أو حلول وقته الذي لا فسحة فيه واشتغل بالنفل [ 239 / أ ] كإنسان لم يبق عليه من صلاة الفرض إلا مقدار ما يصليها فقط ، فترك الفرض واشتغل بالتطوع ، أو وجد الصلاة المنكوبة تقام أو تصلى فتركها وأقبل على ما ليس بفرض من الصلاة ، كمثل ما يأمر به بعض الناس : من وجد الإمام في الركعة الأولى من صلاة الصبح أن [ يركع ] ركعتي الفجر ، فهذا هو الخطأ ، فهذا لا يقبل منه ، لأنه لم يصل الصلاة التي أمر بها ، ومن لم يفعل ما أمر به وفعل غير ما أمر به لم يقبل منه : قال عليه السلام ( 1 ) : ' من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ' وكإنسان صام رمضان في الحضر تطوعا لا بنية الفرض ، فهذا لا يقبل منه . وأما من عليه من الفرض أو سلفت عليه فروض قد عطلها ، فيستحب له التطوع ما أمكنه ، كما روينا في الحديث المأثور آنفا من جبر الفرض بالتطوع . واعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الله عز وجل ابتدأنا بمواهب خمس جليلة ، لا يهلك على الله بعدهن إلا هالك ، وهي انه تعالى غفر الصغائر باجتناب الكبائر فلو أن امرءا وافى عرصة القيامة بملء الأرض صغائر إلا أنه لم يأت كبيرة أو أتاها ثم تاب منها ، لما طالبه الله بشيء منها ، وقال تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } ( النساء : 31 ) . والثانية : من اكثر من الكبائر ، ثم منحه الله التوبة النصوح على حقها وشروطها قبل موته ، فقد سقط عنه جميعها ، ولا يؤاخذه ربه تعالى بشيء منها ، وهذا إجماع من الأمة . والثالثة : أن من عمل من الكبائر ما شاء الله ، ثم مات مصرا عليها ، ثم استوت حسناته وسيئاته لم يفضل له سيئة ، مغفور له ، غير مؤاخذ بشيء مما يفعل ، قال الله
পৃষ্ঠা ১৫১
تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } ( هود : 114 ) ، وقال تعال : { فأما من ثقلت موازينه } ( القارعة : 6 ) . والرابعة : انه تعالى جعل السيئة بمثلها والحسنة بعشر امثالها ، ويضاعف الله تعالى لمن شاء . والخامسة : انه تعالى جعل الابتداء على من أحاطت به خطيئته ، وغلب شره على خيره ، بالعذاب والعقاب ، ثم نقله عنه بالشفاعة إلى الجنة فخلده فيها ، ولم يجعل ( 1 ) ابتداء جزائه على حسناته بالجنة ، ثم ينقله منها إلى النار . فهل بعد ذلك الفضل منزلة نسأل الله أن لا يدخلنا في عداد من يعذبه بمنه . فهذا أصلحنا الله وإياكم جواب [ 239 ب ] ما سألتم عنه مما يكفر الذنوب الكبائر ، وفيما يأتي بعد أيضا من الجواب في سائر ما سألتم عنه ، أشياء تستضيف إلى ما قد ذكرنا بحول الله تعالى وقوته .
2 - وسألتم عن العمل الذي إذا قطع المرء به باقي عمره رجوت له الفوز عند الله عز وجل ، وأيقنت له به ، وعن السيرة التي أختارها وأحسد عليها من أعطيها ، من أبواب التخلص من سخط الله في القول والعمل . وهاتان مسالتان وإن كنتم فرقتم بينهما فهي واحدة فأقول - وبالله [ تعالى ] التوفيق - : إني قد أدمت البحث عما سألتم عنه مدى دهر طويل ، وفتشت عنه القرآن والحديث الصحيح ، فلاح لي بعد طلب كثير ، وتحصل لي بعد طلب شديد ما أخاطبكم به ، أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لطاعته آمين . وقد كنت جمعت في هذا فصلا نسخته لكم على هيئته ، وهو أن فتشت على مراتب الحقائق في دار القرار في الآخرة - وإما الدنيا فمحل مبيت بؤسها منقض ( 2 ) ، وسورها منسي كأن ذلك لم يكن - فوجدتها عشر مراتب ، منها ثلاث هي مراتب الملك ، والعلو ، والسبق . فأولها : مرتبة عالم يعلم الناس دينهم ، فإن كل من عمل بتعليمه أو علم شيئا مما كان هو السبب في علمه ، فذلك العالم والمتعلم شريك له في الأجر إلى يوم القيامة على آباد الدهور ، فيا لها منزلة ما أرفعها ، أن يكون المرء أشلاء متمزعة في قبره أو مشتغلا
পৃষ্ঠা ১৫২
في أمور دنياه وصحف حسناته متزايدة ، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب ومواترة عليه من حيث لم يقدر . ويؤيد هذا قوله عليه السلام ( 1 ) : ' من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ' ، وقوله لعلي ( 2 ) : ' فوالله يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك من حمر النعم ' ، وقوله عليه السلام ( 3 ) : ' إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة ، فذكر عليه السلام ولدا صالحا يدعو له ، وصدقة جارية ، وعلما ينتفع به ' قوله ( 4 ) : ' من عمل في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ، ولا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده ، كتب له مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ' ، ويؤيد هذا قول الله عز وجل : { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } ( النحل : 25 ) ، وقوله : { وليحملن أثقالهم } ( العنكبوت : 13 ) فأسأل الله أيها الاخوة أن يجعلنا وإياكم من أهل الصفة الأولى ، وأن يعيذنا من الثانية . فبشروا من سن القبالات والمكوس ووجوه الظلم بأخزى الجزاء واعظم البوار في الآخرة ، إذ سيئاتهم تتزايد على مرور الأيام والليالي ، والبلايا تترادف عليهم وهم في قبورهم ؛ ولقد كان أحظى ( 5 ) لهم لو لم يكونوا خلقوا من الإنس . واعلموا [ 240 / أ ] انه لولا العلماء الذين ينقلون العلم ويعلمونه الناس جيلا بعد جيل لهلك الإسلام جملة ، فتدبروا هذا وقفوا عنده وتفكروا فيه نعما ، ولذلك سموا ورثة الانبياء ، فهذه مرتبة . والثانية : حكم عدل ، فإنه شريك لرعيته في كل عمل خير عملوه في ظل عدله وأمن سلطانه بالحق لا بالعدوان ، وله مثل أجر كل من عمل سنة حسنة سنها . فيا لها مرتبة ما أسناها أن يكون ساهيا لاهيا وتكسب له الحسنات ، وأين هذه الصفة وأما الغاش لرعيته والمداهن في الحق ، فهو ضد ما ذكرنا ، ويؤيد هذا قوله عليه السلام ( 6 ) : ' وغن المقسطين فيما ولوا على منابر من نور على يمين الرحمن ' ، أو كلاما هذا معناه ؛
পৃষ্ঠা ১৫৩
فهذه ثانية . وأما الثالثة : مجاهد في سبيل الله عز وجل ، فإنه شريك لكل من يحميه بسيفه في كل عمل خير يعمله ، وإن بعدت داره في أقطار البلاد ، وله مثل أجر من عمل شيئا من الخير في كل بلد أعان على فتحه بقتال أو حصر ( 1 ) ، وله مثل أجر كل من دخل في الإسلام بسببه أو بوجه له فيه أثر إلى يوم القيامة . فيا لها حظوة ما أجلها أن يكون لعله في بعض غفلاته ونحن نصوم له ونصلي . واعلموا أيها الاخوة الأصفياء أن هذه الثلاث سبق [ إليها ] الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم كانوا السبب في بلوغ الإسلام إلينا وفي تعلمنا العلم ، وفي الحكم بالعدل فيما ولوا ، وفي فتوح البلاد شرقا وغربا ، فهم شركاؤنا وشركاء من يأتي بعدنا إلى يوم القيامة ، وفي كل خير يعمل به مما كانوا السبب في تعليمه أو بسطه أو فتحه من الأرض . واعلموا أن لولا المجاهدون ( 2 ) لهلك الدين ولكنا ذمة لأهل الكفر ، فتدبروا هذا فإنه أمر عظيم ، وإنما هذا كله إذا صفت النيات وكانت لله ، فقد سئل النبي عن عمل المجاهد وما يدانيه ، فأخبر عليه السلام انه لا يعدله إلا أمر لا يستطاع ، فسألوه عنه فقال كلاما معناه ( 3 ) : أيقدر أحدكم أن يدخل مصلاه إذا خرج المجاهد فلا يفتر من صلاة وصيام فقالوا : يا رسول الله ، لا نطيق ذلك . فاخبرهم أن هذا مثل المجاهد . وأخبرهم أيضا عليه السلام ( 4 ) : أن روث وبولها ومشيها وشربها الماء ، وإن لم يرد سقيها ، كل ذلك له حسنات . وسئل عن أفضل الأعمال ، فأخبر بالصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد ( 5 ) . وسئل عليه السلام عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل ليرى مكانه فقال ( 6 ) : ' من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد ' أو كما قال ؛ وأخبر عليه السلام : أن الأعمال بالنيات . فهذه الثلاث المراتب هي مراتب السبق التي من أمكنه شيء منها فليجهد نفسه ،
পৃষ্ঠা ১৫৪
وما توفيقي إلا بالله عز وجل . ومن احب قوما فهو معهم ، فقد قال رجل : يا رسول الله [ 240 ب ] متى الساعة فقال له عليه السلام : ماذا أعددت لها فاستكان الرجل وقال : يا رسول الله ، ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله . فقال له ( 1 ) : أنت مع من أحببت ؛ أو كما قال عليه السلام . وبعد هذه المرتبة مرتبة رابعة ، هي مرتبة الحظوة والقربة ، وهي حالة إنسان مسلم فتح الله له بابا من أبواب البر مضافا إلى أداء فرائضه ، إما في كثرة الصيام أو كثرة صدقة ، أو كثرة صلاة ، أو كثرة حج وعمرة ، وما أشبه ذلك ، فهذا له نوافل عظيمة وخير كثير ، إلا أنه ليس له إلا ما عمل ، وصحيفته تطوى بموته ، حاشا من حبس أرضا أو أصلا تجري صدقته بعده ، كما اختار النبي لعمر رضي الله عنه إذ شاوره فيما يعمل في أرضه بخيبر ، فإن هذا أيضا تلحقه الحسنات بعد موته ما دامت الصدقة . ولقد سمعت أبا علي الحسين بن سلمون المسيلي ( 2 ) يقول كلاما استحسنته ، وهو انه قال لي يوما : من كثرت ذنوبه فعليه بكسب الضياع . ولعمري لقد قال الحق ، فإن الضيعة إذا كسبت من حل ومن ارض مباح اكتسابها ، فقد نص النبي أن كل من أكل من غرس مسلم أو من زرعه فهو له صدقة ( 3 ) . وإذا اكتسبت من غير وجه مرضي ، فهي غل وثقل على من اكتسبها . فاعتمدوا على ما نص ( 4 ) لكم نبيكم عليه السلام ، ودعوا كلام الفساق من ( 5 ) أهل الجهل الذين يفسدون في الأرض أكثر مما يصلحون . فيحكون عن رجل أنه وجد ابنته قد غرست دالة فقلعها وقال : إنا لم نبعث لغرس الدوالي . فاعلموا أن هذا الرجل جاهل سخيف العقل مخالف لرسول الله ، مهلك للحرث ، مفسد في الأرض . فهذه مرتبة رابعة ، وهي دون المراتب الثلاث الأول .
পৃষ্ঠা ১৫৫
ثم مرتبة خامسة : وهي مرتبة الفوز والنجاة ، وهي حالة إنسان مسلم يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر ويقتصر على ذلك ، فإن فعل هذا فمضمون له على الله تعالى الغفران بجميع سيئاته ودخول الجنة والنجاة من النار ؛ قال الله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر مات تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } ( النساء : 31 ) ، وقد نص النبي عليه السلام في الذي سأله عن فرائض الإسلام فأخبره بها فقال : والله لا أزيد عليها ولا أنقص ، قال عليه السلام ( 1 ) : أفلح عن صدق ، ودخل الجنة إن صدق . فهذه المراتب الخمس هي مراتب الزلفى والقربى التي لا خوف على أهلها ولا هم يحزنون . ثم بعدها مرتبتان [ 241 / أ ] وهما مرتبتا السلامة مع الغرر ( 2 ) ، وعاقبتهما محمودة ، إلا أن ابتداءهما مذموم مخوف هائل ، وهما حال إنسان مسلم عمل خيرا كثيرا وشرا كثيرا ، وأدى الفرائض وارتكب الكبائر ، ثم رزقه الله التوبة قبل موته . والثانية حال امرئ مسلم عمل حسنات وكبائر ومات مصرا ، إلا أن حسناته أكثر من سيئاته . وهذان غررا ولكنهما فائزان ناجيان بضمان الله عز وجل لهما إذ يقول : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } ( طه : 82 ) ، ولقوله { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } ( القارعة : 6 ) ولقوله تعالى { عن الحسنات يذهبن السيئات } ( هود : 114 ) ، ولا خلاف بين أحد من أهل السنة فيما قلنا من هذا . ثم مرتبة ثامنة وهي مرتبة أهل الأعراف ، وهي مرتبة خوف شديد وهول عظيم ، إلا أن العاقبة إلى سلامة ، وهي ( 3 ) حال امرئ مسلم تساوت حسناته وكبائره ، فلم تفضل له حسنة يستحق بها الرحمة ، ولا فضلت له سيئة يستحق [ بها العذاب ] . وقد وصف الله صفة هؤلاء في الأعراف ، فقال تعالى بعد أن ذكر مخاطبة أهل الجنة لأهل النار { فهل وجدتم ما وعد ربكم قالوا نعم } ( الأعراف : 44 ) ثم قال بعد آية { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } ( الأعراف : 46 - 47 ) .
পৃষ্ঠা ১৫৬
فهذه الوقفة لا يعدل همها والإشفاق منها سرور الدنيا كله ، ولكنهم ناجون من النار داخلون الجنة ، لأنه لا دار سواهما ، فمن نجا من النار فلابد له من الجنة ، وليتنا نكون من هذه الصفة ، فو الله إنها لمن أبعد ( 1 ) آمالي التي لا أدري كيف التوصل إليها إلا برحمة الله ، وأما بعمل أعلمه مني فلا . ثم مرتبة تاسعة وهي مرتبة نشبة ( 2 ) ومحنة وبلية وورطة ومصيبة وداهية ، نعوذ بالله منها ، وإن كانت العاقبة إلى عفو وإقالة وخير ، وهي حال امرئ مسلم خفت موازينه ورجحت كبائره على حسناته ، فهؤلاء الذين وصفوا في الأحاديث الصحاح أن منهم من تأخذه النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من يبقى فيها ما شاء الله من الدهور ، كما وصف النبي عليه السلام في مانع الزكاة ( 3 ) انه يبقى في العذاب الموصوف في الحديث يوما كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى مصيره إلى جنة أو إلى نار ، فيا لها بلية ما اعظمها ؛ وكما نص عليه السلام انه سأل أصحابه ( 4 ) : ' من المفلس عندك ' قالوا : يا رسول الله ، الذي لا دينار له ولا درهم ، فاخبرهم عليه السلام [ 241 ب ] أن المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وله صيام وصلاة وصدقة فيوجد قد شتم هذا ، وقتل هذا وظلم هذا ، وأخذ مال هذا ، فينتصفون من حسناته حتى إذا لم يبق له حسنة أخذ من سيئات هؤلاء الذين ظلم فرميت عليه ، ثم قذف به في النار . وهذا معنى قوله تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } ( العنكبوت : 13 ) ، فيبقى هؤلاء في النار على قدر ما أسلفوا ، حتى إذا بقوا كما ( 5 ) جاء في الحديث الصحيح ، جاءت الشفاعة التي ادخرها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت الرحمة التي ادخرها الله لذلك اليوم الفظيع والموقف الشنيع وأخرجوا كلهم من النار فوجا بعد فوج بعد ما امتحشوا أو صاروا ( 6 ) حمما . والله أيها الاخوة لولا أن عذاب الله لا يهون منه شيء ولا يتمناه عاقل لتمنيت أن أكون من هؤلاء خوفا من خاتمة سوء ، وأعوذ بالله مما يوجب الخلود ويقتضي جوابه تعالى إذ يقول : { اخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون : 108 ) ولكن يمنعني من
পৃষ্ঠা ১৫৭
~~ذلك الرجاء في عظيم عفوه عز وجل ، وأن النفس لا تساعد على أن تعد شيئا من عذاب الله خفيفا ولو نظرة إلى النار ، أعاذنا الله منها ، فوالله إن أحدنا ليستشنع موقف [ جنا ] يته أو موقف قصاصه بين يدي مخلوق ضعيف ، فكيف بين يدي الخالق الذي ليس كمثله شيء ، والذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، والذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فكيف بنار أشد من نارنا بسبعين ضعفا فتأملوا ذلك عافانا الله وإياكم منها في فعل الصواعق في صم الهضاب وشم الجبال ، فإنها تبلغ في التأثير فيها في ساعة ما لا تبلغه نارنا لو وقدناها هنالك عاما مجرما ، فكيف بجلود ضعيفة ونفوس ألمة ، هذا على أن الحسن البصري رضي الله عنه ذكر يوما موقف رجل يخرج من النار بعد ألف سنة فقال ( 1 ) : يا ليتني ذلك الرجل ! وغنما تمنى الحسن هذا خوفا من خاتمة شقاء ، وأن يموت على غير الإسلام فيستحق الخلود في النار في الأبد . فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو الله أن يميته على الإسلام ، وكان الأسود بن يزيد ( 2 ) يقول : ما حسدت أحدا حسدي مؤمنا قد دلي في قره ! وإنما تمنى الأسود ذلك لأنه إذا مات مسلما أمن الكفر . فهذه المرتبة أيها الأخوة مرتبة نعوذ بالله منها ، فقد صح عن النبي عليه السلام أن المرء المنعم في الدنيا يغمس في النار غمسة ثم يقال ( 3 ) : أرأيت خيرا قط فيقول : لا ما رأيت خيرا قط ! هذا في غمسة ، فكيف بمن يبقى خمسين ألف سنة يجدد له فيها أضعاف العذاب على انه قد صح عن النبي عليه السلام [ 242 / أ ] من طريق أبي سعيد الخدري ( 4 ) أن آخر أهل النار دخولا الجنة وخروجا من النار ، وأقل أهل الجنة منزلة ، رجل أمره الله أن يتمنى فيتمنى مثل ملك ملك كان يعرفه في الدنيا فيعطيه الله مثل الدنيا كلها عشر مرات ، وهذا حديث صحيح ، فلا يدخلنكم فيه داخلة لبراهين يطول فيها الكلام ولصغر قدر الأرض وقلته في الإضافة إلى قدر الآخرة وسعتها ، يعلم ذلك من علم هيئة العالم وتفاهة الأرض في عظيم السموات . ولعمري إن هذه فضيلة عظيمة ، لا سيما إذا أفكرنا أنها خالدة لا تنقضي أبدا . ولكن إذا أفكرنا فيما
পৃষ্ঠা ১৫৮
قبلها من طول المكث بين أطباق النيران ، يتجرعون الزقوم ويشربون الغسلين ، ولهم مقامع من حديد ، والأغلال في أعناقهم ، والملائكة يسحبونهم على وجوههم ، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ، لم يف بذلك سرور وإن جل ، ونال الله أن يجرينا وإياكم من هذه المرتبة ، آمين . فلهؤلاء ذخرت الشفاعة وفي جملتهم يدخل من لم تكن له وسلية ، ولا عمل خيرا قط غير اعتقاد الإسلام والنطق به ، ولا استكف عن شر قط حاشا الكفر ، على قدر ما يفضل من السيئات على الحسنات يكون العذاب ، فأقله غمسة كما جاء في الحديث المذكور منه آنفا ، ولم يلج منه عضو في النار كما جاء في حديث جواز الصراط ، وأكثره الذي ذكرنا أنه آخر أهل الإسلام خروجا من النار في الحديث المذكور آنفا . وأما المرتبة العاشرة فهي مرتبة السحق ، والبعد ، والهلكة الأبدية ، وهي مرتبة من مات كافرا ، فهو مخلد في نار جهنم لا يخفف عنهم من عذابها ، ولا يقضي عليهم فيموتوا ، خالدين فيها أبدا ، سواء صبروا أم جزعوا ، ما لهم من محيص . اللهم عياذك ، عياذك ، عياذك من ذلك ، وقد هان كل ما تقدم ذكره عند هذه : ' وإنما نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي ' ( 1 ) ، ثبتنا الله وإياكم على الإسلام والإيمان وابتاع محمد عليه السلام . فهذا جواب ما سألتم عنه من السيرة المختارة التي أحسد عليها صاحبها ، وأتمنى أعاليها ، قد لخصتها وفسرتها ، ثم أعيدها لكم مختصرة ، ليكون أقرب للذكر وأسهل للحفظ إن شاء الله تعالى فأقول ، وبالله التوفيق : إن أجل سير المسلم ثلاثة : طلب العلم ، ونشره ، والحكم بالعدل لمن ولي شيئا من أمور المسلمين والجهاد - كل هذا مع أداء الفرائض واجتناب المحارم . وبعد هذا المداومة على الوتر ، وركعتي الفجر والضحى ، وركعتين في الليل وقبل الوتر [ 242 ب ] في منزله ، وركعتين متى دخل المسجد ، فإن زاد فليصل الضحى ثماني ركعات ، وليصل اثنتي عشرة ( 2 ) ركعة في آخر الليل في منزله قبل الوتر أو في أي وقت أمكنه من الليل ، ولا أحب له الزيادة في الضحى على ما ذكرت ، لكن من أراد الزيادة فليطول القراءة والركوع والسجود ما شاء ، فإني أخاف عليه ما خافه مالك بن أنس إذ سأله سائل عن رجل أحرم قبل
পৃষ্ঠা ১৫৯
الميقات ، فكره ذلك وقال : لعله يتوهم أنه يأتي بأحسن مما ( 1 ) أتى به نبيه عليه السلام فيهلك ! وأنا لكل أحد أن يزيد على عدد ما كان ينتفل به نبيه محمد لوجهين : أحدهما قول الله عز وجل : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ( الأحزاب : 21 ) ، والثاني : أن يخطر الشيطان في قلبه فيوسوس انه قد فعل من الخير أكثر مما كان محمد يفعله ، فيهلك في الأبد ويحبط عمله ، ويجد صلاته وصيامه في ميزان سيئاته ، فيا لها مصيبة ما اعظمها ، أن يحصل في جملة من قال الله تعالى : { وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصية * تصلى نارا حامية } ( الغاشية : 2 - 4 ) فلا دنيا ولا آخرة ، على أن مداواة هذا البلاء لمن امتحن به سهلة ، وهي أننا نقول له : ليعلم العاقل أن تكبيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظم عند الله واجل من كل عمل خير يعمله جميعنا ، لو عمر العالم كله . فإن أحب المزيد كما ذكرنا فليركع أربع ركعات في منزله قبل الظهر ، وركعتين قبل العصر ، وركعتين بعد العصر ، وركعتين بعد المغرب ، وكل هذه النوافل فهي في البيوت أفضل منها في المسجد ، وركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب ، إما في المنزل ، وإما في المسجد ، وست ركعات بعد صلاة الجمعة ، ويستحب للمرء أن لا يقصر من الصيام عن صيام يوم عرفة ويوم عاشور التاسع والعاشر ، وستة أيام من شوال مضافة إلى رمضان ، لا يحول بينه وبينها إلا يوم الفطر وحده ، فقد صح عن النبي عليه السلام أن ذلك يعدل صيام الدهر ، وان صيام يوم عرفة وعاشورا يكفر عامين وعاما ، وهذا أمر لا يزهد فيه إلا محروم . فإن أحب المزيد فليصم الاثنين والخميس ، فإن أحب المزيد فليصم يوما ويفطر يوما ، فإن زاد على ما ذكرنا فهو آثم عاص . سئل رسول الله عن صيام الدهر فقال : لا صام ولا أفطر . وقد روي عنه عليه السلام ما هو أشد من هذا ، وصح انه سئل عن أفضل من صيام يوم وإفطار يوم قال : ' لا أفضل من ذلك ' ( 2 ) ، فمن [ لم ] ينته إلى ما حده له نبيه فلا عفا الله عنه . والحج والعمرة والتطوع كذلك حسن جدا وأجر عظيم ، لا جزاء له إلا الجنة بنص كلامه عليه السلام ، والصدقة بما تيسر ، فإن الإكثار منها فيما فضل عن قوته وبما بقي له غناء ، ولا تحل الصدقة [ 243 / أ ] بأكثر من ذلك ، وعياد مرضى الجيران ، وشهود جنائزهم ، فرض على مسلم جار على الكفاية ، ولقاء الناس بالبشر والبر وانطلاق
পৃষ্ঠা ১৬০
الوجه ، وهذا كله بعد أداء الفرائض واجتناب الكبائر ، ويستحب من الذكر ما تقدم في أول هذه الرسالة ، فبهذا يتخلص المسلم من عذاب الله ، ويستوجب الجنة بفضل الله ، فمن عجز عن هذا كله فليقتصر على أداء الفرائض واجتناب الكبائر فإنه فائز ، ومع هذا فليخف ربه وليحسن الظن به ، فقد صح عنه عليه السلام انه قال ( 1 ) : إن الله يقول : انا عند ظن عبدي بي . فاعلموا أن تحسين الظن بالله تعالى أجر عظيم ، وانه عمل بالقلب رفيع فاضل ، فلعل ربه تعالى قد حفظ له حسنة لا يلقي العبد إليها باله ولا يذكر علتها ، كما أنه أيضا ربما هلك بسيئة حفظت عليه كان هو يحقرها ، وليدم على فعل الخير وإن قل ، فبهذا جاء الأثر الصحيح ( 2 ) : ' عن أحب الأعمال إلى الله أدومها ' . ولا احب لنفسي ولكم ولا لأحد من المسلمين التقصير عن هذا ، فمن ابتلي بالتقصير عنه فليتدارك نفسه بالتوبة والندم والاستغفار فيما سلف فإنه يجد ربه قريبا إذا راجعه ، قابلا له إذا فزع إليه ، غافرا لما سلف من ذنوبه كما قال تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب } ( غافر : 3 ) . فمن امتحن بتسويف التوبة ومماطلة النفس ، فليكثر من فعل الخير ما أمكنه ، ولعل حسناته تذهب سيئاته ، وليدخل في قوله : { خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } ( التوبة : 102 ) ، ولعله ( 3 ) يقل مكثه في النار ، فقد جاء النص الصحيح بتفاضل مقامهم ، فمن ابتلي وعجز فليتمسك بالعروة الوثقى ، عروة الإسلام ، وليعلم قبح ما يقول ، فلعله ينجو من الخلود ، وهو ناج منه بلا شك عن مات مسلما .
3 - وسألتم - رحمنا الله وإياكم - عن طلب العلم ، وهل الآداب من العلم ، تعنون ( 4 ) النحو واللغة والشعر ، وعن طلب الاشتغال بروايات القراء السبعة المشهورين على اختلاف ألفاظها وأحكامها ، وعن قراءة الحديث ، وعن مسائل ، فنعم - وفقنا الله وإياكم لما يرضيه - : أما الاشتغال بروايات القراء المشهورين السبعة وقراءة الحديث وطلب علم النحو ، واللغة ، فإن طلب هذه العلوم فرض واجب على المسلمين على الكفاية ، بمعنى أن من
পৃষ্ঠা ১৬১
قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته ، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر ، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين ، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط ، فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها ، ولو سورة أي سورة كانت ، أو أي آية ، فهذا لابد لكل إنسان منه . ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة فيه وضبط قراءتهم [ 243 ب ] كلهم ، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل ، قال عليه السلام ( 1 ) : ' خيركم من تعلم القرآن وعلمه ' ، فكفى بهذا فضلا ، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير ، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع ، وحرام على المسلمين تضييعه ، وذهابه من أشراط الساعة ، وكذلك ذهاب العلم . وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضا كما قدمنا ، لان الله يقول : { وما أرسلنا من سرول إلا بلسان قومه ليبين لهم } ( إبراهيم : 4 ) ، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين ، فمن لم يعلم النحو واللغة ، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا [ به ] ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه ، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه ، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة ، ولابد منه على الكفاية كما قدمنا ، ولو سقط علم النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك ، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره ، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها لأحد . وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة ، وحرام على المسلمين أن يستفتوه ، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به . وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم ؛ قال الله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } ( الإسراء : 36 ) ، وقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف : 33 ) ، وقال تعالى : { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } ( النور : 15 ) . فمن لم يعلم
পৃষ্ঠা ১৬২