ننهى من ضل عن ضلالة ، ولكن فيها تطبيب لأنفسنا عن غيرنا ولا يضرنا من ضل إذا اهتدينا . وقد جاء في بعض الآثار أن المنكر إذا خفي لم يؤخذ به إلا أهله ، وأنه إذا أعلن فلم ينكره أخذ فاعله وشاهده الذي لا ينكره ( 1 ) . فإنما في هذه الآية إعلام لنا أننا لا نضر بإضلال من ضل إذا اهتدينا و [ على ] من اهتدى بنا أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . وأما ( 2 ) الآية الثانية فلم ينكر فيها الأمر بالبر ، وإنما أنكر استضافة إتيان النكر إليه ، ونعم . معترفون لها ( 3 ) بذنوبنا منكرون على أنفسنا وعلى غيرنا ، راجعون الأجر على إنكارنا ، خائفون العقاب على ما نأتي مما ندري أنه لا يحل . ولعل أمرنا بالمعروف وتعليمنا الخير ونهينا عن المنكر ، يحط به ربنا تعالى عنه ما نأتي من الذنوب ، فقد أخبرنا تعالى أنه لا يضيع عمل عامل منا . وأما الحديث المذكور فهو رجل غلبت معاصيه على حسناته ، فإن كان مستحلا للمنكر الذي كان يأتي ومرائيا بما يأتي به ، فهذا كافر مخلد في نار جهنم ، ويكفي من بيان هذا قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 - 8 ) . فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وعصى مع ذلك ، فوالله لا ضاع له ما أسلف من خير ولا ضاع عنده ما أسلف من شر ، وليوضعن كل ما عمله يوم القيامة في ميزان يرجحه مثقال ذرة ، ثم ليجازين بأيهما غلب . هذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد . وقد أمر تعالى فقال : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } ( آل عمران : 104 ) ، وقال تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ( التوبة : 122 ) ، فأمر تعالى من نفر ليتفقه في الدين بان ينذر قومه ، ولم ينهه عن ذلك إن عصى ، بل أطلق الأمر عاما ، وقال تعالى : { وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } ( آل عمران : 115 ) ، فمن رام أن يصد عن هذه السبيل بالاعتراض الذي قدمنا ، فهو فاسق صاد عن سبيل الله ، داعية من دواعي النار ، ناطق بلسان الشيطان ، عون لإبليس على ما يحب ، إذ لا ينهى عن باطل ولا يأمر بالمعروف ولا يعمل خيرا . وقد بلغنا عن مالك انه سئل عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له قائل : يا أبا عبد الله ، وأنت لا تفعل ذلك ، فقال : يا ابن أخي ليس [ 352 / أ ] في الشر قدرة . ورحم الله الخليل بن أحمد الرجل الصالح حيث يقول :
পৃষ্ঠা ১৭৯