واحد منكم وغيركم ممن يقرأ كتابي هذا ، إن كانت نيته صادقة لله عز وجل أو مشوبة بقصد ( 1 ) إلى غيره ، وذلك أن يفكر المرء في نفسه فيما يعمل من طلب علم أو فعل بر فيقول لها : يا نفس ، أرأيت لو أن من يراني أو يبلغه خبري من الناس يكون طريقتهم في العلم وفي طلبه وفي عملهم على خلاف ما هم عليه كانوا يكرهون هذا الوجه من طلبي لما أطلب ، ولا يستحسنون ما أفعل من البر ، أكنت تفعلينه أم لا فإن علم من نفسه أنها كانت تفعل ذلك ، سخط الناس أم رضوا ، نفق عندهم أو كسد ، فليحمد ربه تعالى وليبشر ، كان ( 2 ) عمله وطلبه خالصا . وإن وجد نفسه تخبره أن الناس لو كرهوا ما يطلب وما يعمل لم يطلبه ولم يعمله ، فليعلم أنه هلك وأن عمله وتعبه عليه لا له ، وأنه قد خسرت صفقته ، وأنه قد أشرك في نيته وعمله غير ربه تعالى ، إذ قرن به الناس ، فمن أضيع ( 3 ) عملا أو أسوأ منقلبا من هذا نعوذ بالله من هذه المرتبة ، ونسأله التوقي من هذا . وليت شعري على ماذا يحصل المسكين الذي يطلب العلم ليحظى ( 4 ) به في دنياه والله لا حصل من ذلك إلا ( 5 ) على دنيا منغصة ، ولباس خشن ، ولذات يستتر بها استتار الغراب بسفاده ولا يتهناها موفرة ، وعلى ما ( 6 ) لا توفى نفسه منها . ولو طلب الدنيا على وجهها لكان أنفذ لأمره وأعظم لجاهه وأكثر لماله وأوفر للذاته وأتم لهيبته ، وأقل لوزره ، وأخف لعذابه . ولا يغرنكم ما يقول كاذب على العلماء : ' طلبنا العلم لغير الله ، فما زال بنا حتى ردنا إلى الله ' ، فلعمري إن جديرا ألا يبارك ( 7 ) تعالى في كل شيء ابتدأ لغير وجهه عز وجل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل [ 248 / أ ] . وأما إن نوى في عمله أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ، ويحكم بالعدل إن ولي شيئا من أمور المسلمين ، وأن يظهر في ذلك الحق ما أمكنه ، رضي الناس أم سخطوا ، وأحب مع ذلك أن لا يذل ويكرم ، وكانت نيته أن لا تأخذه في الله لومة لائم إن آتاه الله حظا من الدنيا ، وسره أن يؤتى مالا حلالا لا يأكله بخلافه ولا يكتسبه بدينه ولم يترك
পৃষ্ঠা ১৭১