وكان عمره إذ ذاك ثنتين وعشرين سنة، فبعث إلى يحيى بن خالد بن بَرْمَك، وولاه الوزارة، وتمكَّن عنده (^١).
وكان هارون من أَمْيَزِ الخلفاء، وأَجَلِّ ملوك الدنيا، ذا شجاعة ورأي، كثير الغزو والحج والصلاة والصدقة، مُحِبًّا للعلم وأهله، معظِّمًا لحُرُمات الإسلام، مبغضًا للمِرَاء والجَدَل في الدين، والكلامِ في معارضة النصّ، وكان يبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيّما إذا وُعِظَ (^٢).
دخل عليه مرَّة ابن السَّمَّاك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال ابن السَّمَّاك: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه فأبكاه (^٣).
ووعظه الفضيل بن عياض مرَّة حتى شهق في بكائه (^٤).
وقال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمرّ هارون، فقال فضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعزّ عليّ منه، لو مات لرأيت أمورًا عظامًا (^٥).
وقال عمّار الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس تموت أشد عليّ موتًا من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره. قال: فكبُر ذلك علينا، فلما مات هارون، وظهرت الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن، قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم (^٦). ولما بلغه موت ابن المبارك، حزن عليه، وجلس للعزاء، فعزّاه الأكابر (^٧).
_________
(^١) البداية والنهاية (١٠/ ١٦٠).
(¬٢، ٣، ٤، ٥) سير أعلام النبلاء (٩/ ٢٨٧ - ٢٨٩)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٥٢ - ٤٥٤).
(^٦) سير أعلام النبلاء (٩/ ٢٨٩).
(^٧) سير أعلام النبلاء (٩/ ٢٨٨)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٥٤، ٤٥٥).
المقدمة / 25