فإن قيل: أليس يحسن من الله تعالى إيلامهم في الدنيا، وكذلك إيلام البهائم، وسائر ما لا تكليف عليه، فما أنكرتم أن يحسن منه تعالى تعذيب أطفال المشركين في الآخرة؟
قيل له: إنما يحسن من الله تعالى إيلام الأطفال والبهائم في الدنيا، لأمرين:
أحدهما: أنه استصلاح للمكلفين.
والثاني: أن الله سبحانه وتعالى معوض لهم على ما نالهم من الآلام، وحل بهم من الأسقام، عوضا يربى، والآخرة ليست دار تكليف، فيستصلح بإيلامهم غيرهم، ولا هم يعوضون على ما تلحقهم من الآلام عند من أجاز ذلك، فوجب أن لا يكون حكم تعذيبهم في الآخرة مثل حكم إيلامهم في الدنيا.
[ أفعال العباد ليست من خلق الله ]
فإن قال قائل: فما الدليل على أن أفعال العباد غير مخلوقة لله، وأن العباد هم الذين يحدثونها؟
قيل له: الدليل على ذلك بأنها تقع بحسب أحوالهم، ودواعيهم، وهم الذين يستحقون عليها المدح والذم، فثبت تعلقها بهم، ولا وجه يصح من أجله تعلق الفعل بالفاعل إلا الحدوث، فواجب أن تكون هذه الأفعال محدثة من جهة العبيد، دون جهة الله تعالى، فبان أنها غير مخلوقة لله تعالى. وأيضا فقد ثبت أن من فعل الظلم يكون ظالما، ومن فعل الكذب يكون كاذبا، ومن فعل العدل يكون عادلا، ومن فعل الصدق يكون صادقا، فلو كان الفاعل لها لوجب أن يكون ظالما بظلمنا، وكاذبا بكذبنا، وعادلا بعدلنا، وصادقا بصدقنا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فإن قيل: أليس الله يخلق الولد، ولا يكون والدا (¬1) والحركة ولا يكون متحركا؟! وما أنكرتم أن يخلق الله الظلم ولا يكون ظالما، والكذب ولا يكون كاذبا، والصدق ولا يكون صادقا به، والعدل ولا يكون عادلا به؟
পৃষ্ঠা ৬৩