عموم وخصوص من وجه يجتمعان في مادة كمن هاجر في حياته ﷺ إلى المدينة وزار النبي ﷺ، ويفترقان كمن هاجر بعد وفاة النبي ﷺ من دار حرب إلى دار الإسلام فيصدق عليه أنه خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله، فإن معنى "إلى الله وإلى رسوله" حيث أمر الله ورسوله، كذا في المدارك، ولا يصدق عليه أنه زار النبي ﷺ وكمن زار النبي ﷺ في المدينة ثم رجع إلى وطنه فيصدق عليه أنه زار، ولا يصدق عليه أنه هاجر، فدخول زيارته ﷺ في حياته في الآية الكريمة ممنوع فضلًا عن دخول الزيارة فيها بعد مماته.
(والثاني) أن مثل من يستدل بهذه الآية على كون الزيارة قربة كمثل من يستدل على كون الزيارة قربة بحديث: "انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة" متفق عليه، وحديث: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" متفق عليه، وحديث: "ما أغبرَّت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" رواه البخاري، وحديث: "من فصل في سبيل الله فمات أو قتل أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء فإنه شهيد وإن له الجنة". رواه أبو داود، وحديث: "إن الهجرة تهدم ما كان قبلها "، وحديث: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" وجميع الآيات التي ورد فيها ذكر الهجرة كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ . وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ . وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ . وغير ذلك من الآيات، مع أن أحدًا من أهل العلم والدين لم يستدل بهذه الأحاديث والآيات على كون الزيارة قربة.
(والثالث) أنه لو سلم دخول زيارته ﷺ في الآية الكريمة في الحياة فلا نسلم
1 / 47