ومنها ما روى مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم". قال النووي: معنى هذه الجملة أنهم رأوا رأفة النبي ﷺ بأهل مكة وكف القتل عنهم فظنوا أنه يرجع إلى سكنى مكة والمقام فيها دائمًا ويرحل عنهم ويهجر المدينة، فشق ذلك عليهم، فأوحى الله تعالى إليه ﷺ فأعلمهم بذلك اهـ. وأيضًا قال: فمعناه إني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لاستيطانها، فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى، بل أنا ملازم لكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، إني لا أحيا إلا عندكم، ولا أموت إلا عندكم. اهـ.
ومنها ما روى الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ لمكة: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلىّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك".
ومنها ما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال: "يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك، تعربت، قال: لا ولكن رسول الله ﷺ أذن لي في البدو".
قال النووي: قال القاضي عياض أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابيًا من الكبائر، ولهذا أشار الحجاج، إلى أن أعلمه سلمة أن خروجه إلى البادية إنما هو بإذن النبي ﷺ، قال: ولعله رجع إلى غير وطنه، أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها وفرض ذلك إنما كان في زمن النبي ﷺ لنصرته، أو ليكون معه، أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكة لمواساة النبي ﷺ ومؤازرته ونصرة دينه وضبط شريعته اهـ.
ومن ثم قال عثمان ﵁ لما قال له الصحابة ﵃ -وقد حوصر- الحق بالشام: لن أفارق هجرتي، ومجاورة رسول الله ﷺ فيها. كذا في الجوهر المنظم لابن حجر المكي. فقد علم من تلك الأحاديث أن الأمرين المذكورين معتبران في معنى الهجرة.
وجملة القول في هذا المقال أن ليست الهجرة عين الخروج لزيارته ﷺ، بل بينهما
1 / 46