وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ . قال رسول الله ﷺ:
"إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما "؟
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: "كلكم مذنب إلا من عافيت". رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي حديث ابن مسعود قال: "لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ . شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله ﷺ: "ليس ذاك، إنما هو الشرك". رواه البخاري ومسلم.
فلو كانت الآية تعم كل ظالم سواء كان مؤمنًا أو كافرًا أو منافقًا، وسواء كانت بينه وبين النبي ﷺ مدة سفر أو لم تكن، وسواء كان يدعي أو لم يدع، وسواء كان مجيئه إلى النبي ﷺ في حياته أو إلى قبره بعد وفاته كما زعم صاحب الرسالة١ يلزم أن يكون مجيء كل أحد من أمته بعد كل ظلم ومعصية صغيرة كانت أو كبيرة إليه ﷺ والاستغفار عنده قربة مطلوبة بالكتاب، وهذا مما لم يقل به أحد من المسلمين، ولا يطيقه أحد، وأيضًا يلزم أن يكون جميع مسلمي زمانه ﷺ الذين لم يجيئوا إليه ﷺ بعد كل ظلم تاركين لهذه القربة، وأيضًا يلزم أن لا يكون المجيء إلى القبر مرة كافيًا، بل يكون المجيء بمرات غير محصورة على قدر ذنوبهم قربة مطلوبة، كيف وذنوبنا غير محصورة ولا واقفة عند حد، وأيضًا يلزم مزية زيارة القبر على الحج، فإن حج بيت الله فرض في العمر مرة وتكون زيارة قبر الرسول ﷺ قربة في كل سنة بل في كل شهر بل في كل أسبوع بل في كل ساعة بل في كل لمحة، فإنا لا نخلو في لمحة من اللمحات من الذنوب، بل يلزم سكنى المدينة فيلزم أن يكون جميع الأكابر الذين لم يقيموا في المدينة من السلف والخلف تاركين لهذه القربة، وأيضًا يلزم أن يكون الزاد والراحلة غير مشروط في الزيارة مع أنهما شرطان في الحج، وهذه المفاسد مما لا يلتزمها إلا جاهل غبي.
(الثاني عشر) أن في الآية تقبيحًا لضرب من المجيء، أي إتيانهم حالفين بالله
_________
١ أي المردود عليها وهو دحلان.
1 / 35