فيجب ايضا أن تكون فصول وجوب الوجود، إن صحت، بحيث لا تفيد وجوب الوجود حقيقة وجوب الوجود، بل يفيده الوجود بالفعل. وهذا محال من وجهين: أحدهما، أنه ليس حقيقة وجوب الوجود إلا نفس تأكد الوجود، لا كحقيقة الحيوانية التي هي معنى غير تأكد الوجود، والوجود لازم لها، أو داخل عليها، كما علمت. فإذن إفادة الوجود لوجوب الوجود، هي إفادة شرط من حقيقته ضرورة، وقد منع جواز هذا ما بين الجنس والفصل. والوجه الثاني، أنه يلزم أن تكون حقيقة وجوب الوجود متعلقة في أن تحصل بالفعل الموجب له، فيكون المعنى الذي به يكون الشيء واجب الوجود يجب وجوده بغيره، وإنما كلامنا في وجوب الوجود بالذات، فيكون الشيء الواجب الوجود بذاته واجب الوجود بغيره، وقد أبطلنا هذا. فقد ظهر أن انقسام وجوب الوجود إلى تلك الأمور، لا يكون انقسام المعنى الجنسي إلى فصول. فتبين أن المعنى الذي يقتضي وجوب الوجود لا يجوز أن يكون معنى جنسيا ينقسم بفصول وأعراض، فبقي أن يكون معنى نوعيا. فنقول: ولا يجوز أن تكون نوعيته محمولة على كثيرين، لأن أشخاص النوع الواحد، كما بينا، إذا لم تختلف في المعنى الذاتي، وجب أن تكون إنما تختلف بالعوارض، وقد منعنا إمكان هذا في وجوب الوجود، وقد يمكن أن نبين هذا بنوع من الإختصار، ويكون الغرض راجعا إلى ما أردناه. فنقول: إن وجوب الوجود إذا كان صفة للشيء وموجودا له، فإما أن يكون واجبا في هذه الصفة، أي في وجوب الوجود، أن تكون عين تلك الصفة موجودة لهذا الموصوف، فيمتنع الواحد منها أن يوجد وجودا لا يكون صفة له، فيمتنع أن يوجد لغيره، فيجب أن يوجد له وحده؛ وإما أن يكون وجودها له ممكنا غير واجب. فيجوز أن يكون هذا الشيء غير واجب الوجود بذاته وهو واجب الوجود بذاته، هذا خلف. فوجوب الوجود لا يكون إلا لواحد فقط. فإن قال قائل: إن وجوده لهذا لا يمنع وجوده صفة للآخر فكونه صفة للآخر لا يبطل وجوب كونه صفة له. فنقول: كلامنا في تعيين وجوب الوجود صفة له، من حيث هو له، من حيث لا يلتفت فيه إلى الآخر، فذلك ليس صفة للآخر بعينه؛ بل مثلها الواجب فيها ما يجب في تلك بعينها. وبعبارة أخرى نقول: إن كون الواحد منها واجب الوجود، وكونه هو بعينه، إما أن يكون واحدا، فيكون كل ما هو واجب الوجود فهو بعينه وليس غيره. وإن كان كونه واجب الوجود، غير كونه هو بعينه، فمقارنة واجب الوجود لأنه هو بعينه، إما أن يكون أمرا لذاته، أو لعلة وسبب موجب غيره. فإن كان لذاته،
পৃষ্ঠা ২৪